دخلت رسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية الأكبر والأكثر شمولا على واردات الصلب والألومنيوم حيز التنفيذ يوم الأربعاء الماضي؛ ما زاد من معاناة الشركات والمستهلكين الأمريكيين الذين يعانون في الأساس من ارتفاع أسعار المدخلات والمواد الخام، مع تراجع ثقة المستهلكين، ومؤشرات ركود اقتصادي وشيك.
وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أنه في حين أن ترامب تراجع عن تهديداته التي أطلقها يوم الثلاثاء الماضي بمضاعفة الرسوم الجمركية إلى 50%، والتي تسببت في انخفاض أسواق الأسهم الأمريكية، إلا أن هذه التهديدات، التي استمرت لساعات، كانت كافية لتصعيد حرب التجارة العالمية وتسريعها، علما بأن الرسوم الجمركية، التي دخلت حيز التنفيذ، تستهدف جميع واردات الصلب والألومنيوم والمنتجات المشتقة منهما، بنسبة 25%، مع عدم استثناء أية دولة.
وكإجراء انتقامي، أعلن الاتحاد الأوروبي بشكل فوري عن حزمة رسوم جمركية تبدأ الشهر المقبل على صادرات أمريكية بقيمة 26 مليار يورو، مستهدفة تحديدا السلع المصنعة في الولايات والمناطق الحمراء (الداعمة للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب)، بما في ذلك الدراجات النارية والمنتجات الزراعية والكحول والملابس، كما ردت كندا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على صادرات أمريكية بقيمة 30 مليار دولار تقريبا، أما الدول الأخرى المتأثرة برفع الرسوم الجمركية على المعادن، بما في ذلك المملكة المتحدة وأستراليا، فقد ردت بعبارات حادة فقط رغم أن جميعها تستعد لجولة أوسع من الرسوم الجمركية الأمريكية على جميع الدول مطلع الشهر المقبل.
من جهتها، رحبت صناعة الصلب الأمريكية، التي حظيت لعقود باهتمام الإدارات المتعاقبة، وخاصة إدارة ترامب الحالية، بتطبيق الرسوم الجمركية دون استثناءات هذه المرة، كوسيلة لدعم صناعة ما تزال تعاني من تدفق كميات كبيرة من الصلب من المنتجين الأجانب، إلا أن الشركات الأمريكية التي تستخدم الصلب والألمنيوم أقل حماسا للخطوات التي ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المعادن محليا.
يذكر أن الصناعات الكبيرة المستهلكة للصلب تشمل شركات صناعة السيارات، والآلات، وقطاع النفط والغاز، والبناء، وتستورد الولايات المتحدة حوالي ربع احتياجاتها من الصلب (بشكل رئيسي من كندا والمكسيك والبرازيل)، وحوالي نصف احتياجاتها من الألومنيوم (بشكل كبير من كندا).
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن الرسوم الجمركية على الصلب قد تنقذ بعض الوظائف في قطاع إنتاج الصلب، لكن هذه الوظائف ستأتي على حساب تكاليف أكبر بكثير، بما في ذلك الوظائف، في بقية قطاعات الاقتصاد.
وأوضحت المجلة أنه منذ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، وجد الاقتصاديون أن الرسوم الجمركية على الصلب أدت في نهاية المطاف إلى تدمير واضح للوظائف، كما وجد الباحثون أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في ولايته الأولى على الصلب والألومنيوم، أدت إلى خسارة أكثر من 75 ألف وظيفة في قطاع التصنيع في بقية قطاعات الاقتصاد مقابل زيادة طفيفة في الوظائف في مصانع الصلب، فيما تحذر شركة ألكوا الأمريكية، أكبر منتج للألمنيوم، من أن الرسوم الجمركية الأخيرة قد تؤدي إلى فقدان 100 ألف وظيفة أمريكية.
ونبهت “فورين بوليسي” إلى أن الوضع بالنسبة للألمنيوم شديد الخطورة، ليس فقط بسبب الاعتماد المتزايد على الواردات أو لأن الرسوم الجمركية الجديدة تستهدف المنتجات المصنوعة من الألومنيوم، ولكن لأن أسعار الألومنيوم في الولايات المتحدة هي بالفعل الأعلى في العالم، وبالتالي ستنتقل التكاليف الإضافية إلى مستهلكي هذا المعدن، بما في ذلك شركات صناعة السيارات (قد تزيد تكلفة السيارات الجديدة بضعة آلاف من الدولارات بسبب اعتمادها على كلا المعدنين)، كما أن الزيادات ستطول علب الطعام والمشروبات، حيث حذر معهد مصنعي العلب المعدنية من أن الرسوم الجمركية على المعادن ستخلّف “آثارا وخيمة على الاقتصاد الأمريكي والأمن الغذائي المحلي”.
وفي هذا الصدد، يقول روس ستراشان، كبير محللي الألمنيوم في مجموعة CRU البريطانية، وهي شركة متخصصة في تحليلات السوق والأعمال خاصة المعادن والتعدين: “تعد علب المشروبات والسيارات من الصناعات الرئيسية لاستهلاك الألمنيوم، ومن الصعب للغاية تحميل المستهلك تكاليف زيادات الأسعار، وبالتالي من المرجح أن تتقلص هوامش أرباح شركات صناعة السيارات”، علما بأن أسهم شركات السيارات الثلاث الكبرى (الأمريكية) شهدت انخفاضا في سوق الأسهم يوم الأربعاء مع دخول الرسوم حيز التنفيذ.
واستبعد ستراشان عودة صناعة الألمنيوم الأمريكية إلى سابق عهدها كنتيجة لفرض هذه الرسوم، وأن جل ما سيحدث هو إعادة تشغيل جزء ضئيل من الطاقة الإنتاجية المعطلة، لتلبية الطلب المتزايد على الألومنيوم، لافتا في الوقت نفسه إلى التكلفة العالية لهذه الصناعة، حيث إن الجزء الأكثر تكلفة في صهر الألومنيوم هو الكهرباء، وأن أسعار الكهرباء في الولايات المتحدة أغلى من العديد من الدول، مثل كندا، التي يمكنها استخدام الطاقة الكهرومائية أو الطاقة الحرارية الأرضية الأرخص لتشغيل مصاهر رخيصة، لذا، فإن المجموعات الأمريكية المتعاطفة مع فكرة حماية بعض الصناعات المهددة، بما في ذلك الصلب، ترى أن الرسوم الجمركية وحدها ليست كافية، وأنها كانت تأمل أن تكون هذه الرسوم مصحوبة بخطة أكثر شمولية لمساعدة صناعة المعادن على التحديث (لتكون أكثر كفاءة وصديقة للبيئة) بدلا من استخدام الحمائية لإطالة عمر الأصول القديمة الأقل كفاءة.
وترى “فورين بوليسي” أنه على الرغم من كل التحديات في سوق الأسهم والاضطرابات المحتملة نتيجة الرسوم الجمركية، إلا أن التعريفات التي فرضت على المعادن هي في الواقع مجرد بداية لحروب ترامب التجارية، خاصة وأنه سبق وصرح أنه سيطبق، اعتبارا من الشهر المقبل، خطته الرئيسية للتعريفات الجمركية على جميع دول العالم، بهدف تصحيح ما يراه مجالا تجاريا عالميا منحازا بشكل منهجي ضد الولايات المتحدة، وإذا مضى ترامب في خططه ذات الصلة، فإن أجراس الإنذار الحقيقية لن تتوقف عن القرع.
0 تعليق