مع الانتشار الواسع للهواتف الذكية وتأثيرها العميق على الصحة الجسدية والعقلية، يتساءل الكثيرون عن تأثير الامتناع عنها تمامًا ولو لفترة قصيرة. تشير الدراسات إلى أن الاستخدام المفرط للهواتف يؤدي إلى تغييرات هيكلية ووظيفية في الدماغ، خاصة في مناطق الانتباه والتحكم في الاندفاع، مما قد يضعف القدرة على اتخاذ القرارات والتركيز.ووفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة Computers in Human Behaviour، تم اختبار تأثير الامتناع عن الهواتف الذكية لمدة 72 ساعة على مجموعة من الشباب المستخدمين لها يوميًا. وأظهرت النتائج أن نشاط الدماغ في المناطق المرتبطة بالمكافأة والرغبة الشديدة تغير بشكل مشابه لأنماط الإدمان على المواد المخدرة أو الكحول، مما يشير إلى تأثير الهاتف على آليات التحفيز العصبي في الدماغ.إعادة ضبط الدماغ وتحسين الإدراكيؤكد الخبراء أن الابتعاد عن الأجهزة الرقمية لفترة مؤقتة يمكن أن يكون وسيلة فعالة لإعادة ضبط الدماغ وتحسين القدرات الذهنية. ويشير الدكتور شونك أجينكيا، استشاري الطب النفسي، إلى أن الابتعاد عن الشاشات الرقمية يعزز التركيز والصحة العامة، كما يساعد في تطوير الذكاء العاطفي وتحسين التفاعل الاجتماعي، حيث يصبح الشخص أكثر انتباهًا للإشارات غير اللفظية، مما يعزز الاستماع الفعّال في العلاقات اليومية.تحسين جودة النوم والتخلص من الأرقأحد أكبر الفوائد للحد من استخدام الهواتف هو تحسين جودة النوم، حيث أظهرت دراسة أُجريت عام 2023 أن الاستخدام المكثف للهواتف الذكية قبل النوم يؤدي إلى اضطرابات نوم متكررة. ويرجع ذلك إلى الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، والذي يؤثر على إنتاج الميلاتونين، الهرمون المسؤول عن تنظيم النوم. وتقليل التعرض لهذا الضوء قبل النوم يمكن أن يساعد في تحسين نوعية النوم والشعور بالراحة صباحًا.كيف تحد من استخدام الهاتف؟إذا كان الامتناع التام عن الهواتف لمدة 72 ساعة صعبًا، يمكن تطبيق بعض الخطوات التدريجية لتحقيق فوائد مشابهة:تحديد أوقات خالية من الهاتف: مثل أثناء تناول الطعام أو قبل النوم.تفعيل وضع "عدم الإزعاج": للحد من الإشعارات وتقليل التشتت.ممارسة أنشطة غير رقمية: مثل القراءة، الرياضة، أو قضاء الوقت في الطبيعة.اتباع روتين نوم صحي: بتجنب الهاتف قبل النوم بساعة على الأقل. هل يمكن التوقف عن الهاتف بسهولة؟تشير الأبحاث إلى أن استخدام الهواتف يحفّز إفراز الدوبامين في الدماغ، وهو نفس الناقل العصبي المرتبط بإدمان المواد المخدرة، مما يجعل التوقف عنه صعبًا. ومع ذلك، فإن تقليل الاستخدام بطرق مدروسة قد يساعد على تحسين الصحة العقلية والجسدية، ويعيد التوازن إلى العلاقات الاجتماعية والتركيز الذهني.