أعلنت السلطات الجديدة في سوريا انتهاء ما قالت إنها عملية عسكرية ضد مسلحين موالين للدولة السورية السابقة، في منطقة الساحل غربي البلاد. غير أن هذه العملية أصبحت عمليات قتل وإعدام ميداني في العديد من القرى التي يقطنها أغلبية من المدنيين السوريين من الطائفة العلوية، راح ضحيتها أكثر من ألف مدني.
وفي ظل تقارير عن عمليات “إعدام ميدانية” لمدنيين على يد قوات الأمن ومجموعات رديفة لها في المناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية، تعهد الرئيس السوري الانتقالي المعين من قبل الإدارة العسكرية أحمد الشرع يوم الأحد الماضي بمحاسبة المتورطين.
وبدأ التوتر في السادس من آذار/مارس في قرية ذات غالبية علوية في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن مطلوبًا. وشهدت سوريا في المرحلة الأخيرة توترات شبيهة في أكثر من منطقة، وآخرها في منطقة جرمانا في دمشق.
لكن في الساحل السوري، وعلى إثر توتر بين مسلحين يتبعون الإدارة العسكرية الجديدة ومواطنين هناك، توجه آلاف المسلحين من مناطق سورية مختلفة، أبرزها من إدلب وحمص وحماة إلى مناطق الساحل السوري.
وتشير المعطيات والمشاهد المصورة إلى أن هؤلاء المسلحين يتبعون فصائل مختلفة، منضوية تحت وزارة الدفاع المشكلة حديثًا. كما أن العديد من المشاهد المصورة أظهرت ارتكاب عناصر من الأمن العام السوري إعدامات ميدانية بحق مدنيين عزل.
وتحدثت التقارير الحقوقية عن وقوع عمليات “إعدام ميدانية” بحق مدنيين سوريين، خصوصًا من الطائفة العلوية.
شهادات محلية وتوثيق لانتهاكات حقوق الإنسان
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 آذار مقتل 120 مدنيًا من أبناء الطائفة العلوية يوم أمس الاثنين، توزعت (15) في محافظة حماة، (2) في حمص، (50) في طرطوس، (53) في اللاذقية، و(9) في مناطق متفرقة من ريف اللاذقية.
وبذلك يصل عدد المجازر في الساحل السوري وجباله إلى 44، بحسب المرصد السوري.
كما أصدر المرصد إحصائية تبرز إجمالي عدد القتلى المدنيين حسب المحافظات: (598) في اللاذقية، (313) في طرطوس، (171) في حماة، (12) في حمص.
وأشارت مؤسسات حقوقية إلى أن من بين القتلى المدنيين مواطنين من طوائف أخرى، أُعدموا بسبب حمايتهم بعض العائلات من الطائفة العلوية.
وفي سياق متصل، أظهرت شهادات شهود عيان ومقاطع فيديو تم التحقق منها من قبل شبكة CNN، قيام بعض الأشخاص الموالين للحكومة السورية بتنفيذ عمليات إعدام ميدانية. وقد تحدث بعضهم عن “تطهير” البلاد خلال عملية عسكرية انتهت ضد بقايا نظام الأسد السابق.
في هذا السياق، تقدم “باولا هانكوكس” من شبكة CNN شرحًا لما نعرفه حتى الآن حول تلك الأحداث.
وفي أحدث حصيلة، أورد المرصد أنه تمكن من توثيق مقتل 1068 مدنيًا حتى اللحظة، غالبيتهم الساحقة من السوريين العلويين الذين “قتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة” منذ الخميس، بحسب المرصد.
وفي حين لم تعلن السلطات حصيلة للقتلى، تحدث العديد من سكان المنطقة الساحلية إلى وسائل الإعلام عن تفاصيل مروعة عن الهجمات الدموية التي تعرضوا لها.
وقال شاب من جبلة عبر الهاتف لوكالة فرانس برس، إن 50 شخصًا من عائلته وأصدقائه قتلوا ولم يُسمح لهم بالخروج ودفن الموتى، مشيرًا إلى أن المسلحين لملموا الجثث بالجرافات ودفنوها في حفر جماعية، ولم يُسمحوا للهلال الأحمر بالدخول.
وفي قرية الزوبار في ريف اللاذقية، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس سكانًا يتجمعون أمام سيارة إسعاف داخلها أربع جثث، فيما كانت امرأة تصرخ وتبكي رافعة يديها إلى السماء مرددة “يا الله”.
ومن بين القتلى مسيحيون، وفق ما قال بطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا يازجي، من دون أن يحدد عددهم. وأضاف “كانت المناطق المستهدفة هي أماكن العلويين والمسيحيين، وقد سقط أيضًا العديد من القتلى المسيحيين الأبرياء”.
وتمكنت وكالة فرانس برس من إحصاء مقتل 7 مسيحيين على الأقل، وفق بيانات نعي وشهادات نشرها أقاربهم على موقع فيسبوك، هم رجل مع ابنه وامرأة مع ثلاثة من أفراد عائلتها في اللاذقية، إضافة إلى والد كاهن في مدينة بانياس. وأثار التصعيد مخاوف الأقلية المسيحية في الساحل السوري.
وقال المحامي ميخائيل خوري، أحد سكان اللاذقية لوكالة فرانس برس “كلنا ضحايا، من كل الطوائف”. وأضاف “أعتقد أن لدى المسيحيين في المنطقة عمومًا مخاوف كباقي المكونات والأديان الأخرى، كلّنا نركب سفينة مثقوبة”.
ومنذ توليها زمام السلطة في سوريا، سعت الإدارة الجديدة إلى طمأنة الأقليات الدينية ومختلف مكونات المجتمع. وتعهّد الشرع في كلمة مصورة الأحد بمحاسبة “كل من تورط في دماء المدنيين أو أساء إلى أهلنا ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مأربه الخاص”.
إعلان الاتفاق مع قسد
وفي إعلان مفاجئ في توقيته ودلالاته، أعلنت الرئاسة السورية توقيع الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الإثنين اتفاقًا يقضي “بدمج” كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية.
ونصّ الاتفاق الذي يفترض إنجاز تطبيقه بحلول نهاية العام على “دعم الدولة السورية في مكافحتها لفلول الأسد وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها”. وأثارت أعمال العنف تنديد أطراف دولية ومنظمات حقوقية حضّت السلطات على المحاسبة.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو الإثنين أنه تحدّث مع نظيره أسعد الشيباني وأعرب له عن “قلقنا العميق وإدانتنا الشديدة للانتهاكات المرتكبة ضد المدنيين، وطالبنا بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم”. ونددت الأمم المتحدة وواشنطن وبكين بأعمال العنف، داعية السلطات إلى وضع حد لها.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على لسان المتحدث باسمه الإثنين عن “قلقه إزاء تصاعد التوترات بين المجتمعات في سوريا” وشدّد على “وجوب أن تتوقف فورًا إراقة الدماء”. وأعلن موت موظف “واحد على الأقل” في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
لجنة تقصي الحقائق السورية: عازمون على ترسيخ العدالة ومنع الانتقام خارج إطار القانون
أعلنت اللجنة التي كلفتها الرئاسة السورية التحقيق وتقصي الحقائق في أعمال العنف الدامية في غرب البلاد، الثلاثاء عزمها على ترسيخ العدالة و”منع الانتقام” خارج نطاق القانون، بعدما أودى التصعيد بأكثر من ألف مدني غالبيتهم علويون وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال المتحدث باسم اللجنة ياسر الفرحان في مؤتمر صحافي بدمشق إن “سوريا الجديدة عازمة على ترسيخ العدالة وسيادة القانون وحماية حقوق وحريات مواطنيها ومنع الانتقام خارج إطار القانون وضمان عدم الإفلات من العقاب”.
في محاولة لاحتواء الوضع، أعلنت الرئاسة السورية الأحد تشكيل لجنة تحقيق “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحق المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”، على أن ترفع تقريرًا بنتائجها إلى الرئاسة خلال 30 يومًا.
وأكّد الفرحان أن اللجنة ستعمل على “جمع ومراجعة جميع الأدلة والتقارير المتاحة وغيرها من المواد المصدرية ذات الصلة بالأحداث، بالإضافة إلى وضع برامج لمقابلة الشهود وكل من يمكنه المساعدة في التحقيق، وتحديد المواقع التي يجب زيارتها”.
وأضاف أنه سيتم “وضع آليات للتواصل مع اللجنة سيتم الإعلان عنها في القريب العاجل”، موضحًا أن اختصاصات اللجنة “مفتوحة ومرتبطة بالحوادث التي وقعت يوم 6 و7 و8” آذار/مارس.
وروى كثير من سكان المنطقة الساحلية لوكالة فرانس برس تفاصيل مروعة عن المعارك وعمليات التمشيط الأمنية وحصول عمليات قتل لمدنيين.
ونشر مقاتلون وناشطون والمرصد السوري منذ بدء التصعيد مقاطع فيديو تظهر عمليات إطلاق رصاص بشكل مباشر على أشخاص عزل بملابس مدنية، وأخرى تظهر فيها عشرات الجثث بملابس مدنية مكدّسة بعضها قرب بعض على الأرض.
وأعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الثلاثاء أنها وثقت “حالات إعدام بإجراءات موجزة. ويبدو أنها نُفذت على أساس طائفي”. وأضافت أنه “في عدد من الحالات المثيرة للقلق البالغ، قُتلت عائلات بأكملها، بمن في ذلك النساء والأطفال والأفراد العاجزين عن القتال، وذلك خصوصًا في المدن والقرى ذات الغالبية العلوية”.
هيومن رايتس ووتش تدعو دمشق للإسراع بمحاكمة مرتكبي الإعدامات الميدانية في الساحل السوري
وفي السياق، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش الثلاثاء السلطات السورية إلى الإسراع في محاكمة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية في الساحل السوري.
وأشار نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى المنظمة آدم كوغل في بيان إلى “تقارير عن انتهاكات جسيمة على نطاق صادم ضد سوريين أغلبهم من العلويين في الساحل وأماكن أخرى في سوريا”، معتبرا أن “الإجراءات الحكومية لحماية المدنيين ومقاضاة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية وغيرها من الجرائم الخطيرة يجب أن تكون سريعة ولا لبس فيها”.
إلا أن تشكيل اللجنة التي تعقد بعد ظهر الثلاثاء مؤتمرًا صحافيًا في دمشق، لم يحل دون تواصل عمليات القتل العشوائي وفق المرصد، الذي أحصى الإثنين مقتل 120 مدنيًا غالبيتهم في طرطوس واللاذقية.
وقالت هيومن رايتس ووتش “يؤكد العنف في المنطقة الساحلية السورية على الحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة عن الفظائع”، مشددة على وجوب أن تشمل “جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات مثل هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا” اللذين يشكلان الآن قوات الأمن الجديدة في سوريا.
وأشارت إلى أن لدى تلك المجموعات “تاريخًا موثقًا جيدًا من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي”. وأضافت “تحتاج جهود العدالة إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة، وضمان محاسبة المعتدين وتعويض الضحايا”.
ودعت المنظمة الحقوقية القيادة السورية الجديدة إلى أن “تتعاون بشكل كامل مع المراقبين المستقلين، بما يشمل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، وتضمن لهم الوصول دون عوائق”.
وشددت على ضرورة “الإصلاح الكامل للقطاع الأمني، الذي يشمل قوات الجيش والأمن السورية الجديدة”، بما في ذلك “تنفيذ عمليات تدقيق صارمة لإزاحة الأفراد المتورطين في الانتهاكات”.
وشدد كوغل على أن “العدالة لا تكون حقيقية إذا كانت تُطبَّق فقط على البعض دون الآخرين. يجب أن تمتد المساءلة إلى جميع منتهكي حقوق الإنسان، بغض النظر عن انتماءاتهم السابقة أو الحالية”. ونبه “بدون ذلك، سيظل السلام والاستقرار الدائمان في سوريا بعيدَيْ المنال”.
كيف تفاعلت صحف أجنبية وعربية مع التطورات في الساحل السوري؟
تصدرت تطورات الأحداث في سوريا والمخاوف من اندلاع حرب أهلية جديدة عناوين الصحف العالمية، خاصة بعد “أعمال العنف والقتل التي طالت الطائفة العلوية وطوائف أخرى” في الساحل السوري، في وقت يحاول فيه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع تهدئة المخاوف والسيطرة على الأوضاع.
وفي تغطيتها للأحداث، نشرت صحيفة التلغراف البريطانية تقريرًا تناول الاتهامات لقوات تابعة لأحمد الشرع بارتكاب مجزرة، حيث وصفت الشرع بأنه “زعيم المتمردين في سوريا الذي سعى لكسب ود العالم، والآن قواته متهمة بارتكاب مجزرة”.
وقال هنري بودكين، مراسل الصحيفة في الشرق الأوسط، إن “الشرع ظهر الأسبوع الماضي في القاهرة خلال القمة العربية غير العادية، مرتديًا بدلة غربية أنيقة، ورحب به بعض أهم الزعماء السياسيين في العالم العربي”.
وأضاف الكاتب أن الحاكم السوري الجديد حاول “تسويق رؤيته لسوريا الجديدة”، من خلال فتح أبواب دمشق أمام الوفود والصحفيين الغربيين، لكن هذه المساعي “تواجه خطرًا الآن”، بسبب إراقة الدماء التي طالت الأقليات على الساحل الغربي للبحر الأبيض المتوسط منذ يوم الخميس، وفقًا لما ذكره.
المصدر: مواقع
0 تعليق