اليوم الجديد

الأحزاب خرجت من باب السياسة ودخلت من باب العائلات والتنمية

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأحزاب خرجت من باب السياسة ودخلت من باب العائلات والتنمية, اليوم الأربعاء 21 مايو 2025 06:05 صباحاً

تكاد الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان ان تنتهي بعد ان انتقلت من محافظة الى أخرى في لبنان، وعلى الرغم من كل ما شابها من انتقادات واخطاء وبعض الهفوات، الا انها جرت وستطوي صفحتها بعد 9 سنوات من الغياب عن مسرح الاقتراع.

وبدلاً من أن تكون ساحة للتنافس بين العائلات على تقديم الخدمات والمشاريع التنموية المحلية، ها هي قصة "ابريق الزيت" تعود مجدداً، عبر تحويل هذا الاستحقاق الى اثبات وجود سياسي للأحزاب والتيارات، فأين هو الإصلاح والتغيير المنشود، وأين هو الكلام الصادر عن المسؤولين الحزبيين بوجوب ابعاد السياسة عن الانماء؟

تتجلى هيمنة الأحزاب التقليدية على الانتخابات البلدية عبر تشكيلها لوائح متكاملة تدعمها بشكل مطلق حتى تطلق وسائل الاعلام على اللوائح أسماء الأحزاب التي شكلتها وتتغاضى عن أسماء الموجودين في اللائحة. وتلقي الأحزاب والتيارات السياسية بثقلها المادي والإعلامي لدعم من تريد، في مقابل محدودية قدرات المرشحين المستقلين أو المجموعات المدنيّة التي كانت لا تزال تؤمن بأن الأمور لم تعد سانحة لسيطرة الحزبيين.

هذه الهيمنة تخلق حلقة مفرغة: فالمجالس البلديّة المنتخبة تصبح امتداداً للأحزاب السّياسية، وبالتالي يتمّ إعادة إنتاج النظام السياسي الطائفي و"الولائي" نفسه على المستوى المحلّي، ممّا يعزّز من قوّة الأحزاب التقليديّة ويؤمّن سيطرتها. وبالتالي، ليس هناك من مفرّ من التداعيات السلبية على مستوى الإدارة المحلية والتنمية. فالمجالس البلدية المنتخبة على أسس حزبية، غالباً ما تعطي الأولويّة للاعتبارات السّياسية على حساب الاحتياجات التنموية الحقيقيّة، كما أن القرارات البلديّة تخضع في كثير من الأحيان لإملاءات القيادات الحزبية وحساباتها، وليس لمصلحة المجتمع المحلي، ولا شك انها تعمل على التحضير بطريقة "خفيّة ومبطنة" للاستحقاق السياسي الأكبر وهو الانتخابات النيابية.

هذا الوضع يؤدّي إلى استمرار عدم التوازن في التنمية بين المناطق اللبنانية، حيث تحظى المناطق ذات الثقل السياسي الأكبر بحصّة أهم من المشاريع والخدمات، بينما تُهمَّش المناطق الأقل تأثيراً سياسياً، فيزيد حضور رؤساء الأحزاب والتيارات السياسية، ويصبح الحصول على الخدمات الأساسية رهناً بالولاء السياسي وليس حقاً.

يأتي هذا الواقع في وقت يشهد فيه لبنان ضغوطاً داخلية وخارجيّة غير مسبوقة لإجراء إصلاحات جذريّة في مختلف القطاعات، لكن سيطرة الأحزاب على المجالس البلدية والمخاتير تشكل حائطاً منيعاً أمام هذه الإصلاحات، إذ تضمن استمرار نفوذها وقدرتها على التحكم بالموارد العامة وتوزيعها وفق اعتبارات المحاصصة. هذا يعني بوضوح انه بدلاً من ان تكون الانتخابات البلديّة فرصة لتجديد الدماء في البلديات والمخاتير ونقلها الى مفهومها الحقيقي والبدء فعلاً لا قولاً بالتغيير المنشود، تتحول إلى آلية لإعادة تكريس النظام السياسي القائم أصلا بكل اخطائه ومشاكله. كما أنها تسهم في تعميق الاستقطاب السياسي والطائفي، إذ يتم توظيفها كساحة لتصفية الحسابات السياسية وإثبات الوجود.

يظهر إن تحويل الانتخابات البلديّة في لبنان من محطّة لتكريس هيمنة الأحزاب التقليدية إلى فرصة حقيقية للتغيير، لا يزال يتطلب عملاً وجهداً استثنائياً على عدة مستويات، في مقدمها تعديل القوانين الانتخابية لتعزيز فرص المستقلّين والمجموعات المدنيّة في المنافسة والسماح لمن ترك ضيعته وبلدته لسنوات وسنوات، ان يقترع في مكان سكنه بدل ان "يفرض" على سكان ضيعته اشخاصاً لن يستفيد من عملهم سلباً ام ايجاباً، وتعزيز استقلالية البلديات مالياً وإدارياً عن السلطة المركزية التي تسيطر عليها الأحزاب، وتفعيل دور المجتمع المدني في الرقابة على العمل البلدي وتحفيز المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات المحلية. للأسف، لا يزال هذا الهدف بعيداً ولكن لا يجب التوقف عن قرع جرس الإنذار والتنبيه، علّه يحقق المعجزة المطلوبة...

أخبار متعلقة :