نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: إنَّها حوَّاء الجديدة, اليوم السبت 23 أغسطس 2025 03:05 صباحاً لوالدة الإله تسميات عديدة، منها «حوَّاء الجديدة»، وهي عبارة تحمل عمقًا كبيرًا ومدلولًا خلاصيًّا. فحوَّاء الأولى سقطت بإغواء الشيطان وعصيانها لوصيَّة الخالق، وسقط معها آدم. لكنَّ البشارة الخلاصيَّة الأولى أعطاها الله للبشر حين قال للحيَّة، رمز الشيطان: «وأَضعُ عداوة بينَكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها. هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عقبَهُ» (تكوين 3: 15). هذا النسل هو الربُّ يسوع المسيح، الَّذي سحق رأس الشيطان بموته وقيامته من بين الأموات، أمَّا «سحق العقب» فكان بالصليب. وقد فسَّر الرسول بولس ذلك بالروح القدس قائلًا: «وأمَّا المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول: «وفي الأنسال» كأنَّه عن كثيرين، بل كأنَّه عن واحد: «وفي نسلِكَ» الَّذي هو المسيح» (غلاطية 3: 16). فالَّذي لم تستطع حوَّاء الأولى تحقيقه، حقَّقته مريم العذراء بطاعتها الكاملة لكلمة الربِّ، وباتِّضاعها ومحبَّتها، فاستحقَّت أن تُدعى المرأة الجديدة، أي «حوَّاء الجديدة»، فليس غريبًا أن يخاطبها يسوع في الإنجيل بلقب «المرأة». الآباء القدِّيسون منذ البداية استرسلوا في شرح هذا السرِّ. فنجد مثلًا عند القدِّيس إيريناوس أسقف ليون (القرن الثاني)، في كتابه «ضدّ الهرطقات (Ἀντιαιρετικά -Antihairetiká )، مقاربةً واضحة بين حوَّاء القديمة وحوَّاء الجديدة، إذ يقول: »كما أنَّ حوَّاء، إذ كانت عذراء وعصت، صارت سبب موت لنفسها وللجنس البشريِّ، هكذا أيضًا هذه [مريم]، إذ كانت عذراء وأطاعت، صارت سبب خلاص لنفسها وللجنس البشريِّ كلِّه». ويضيف أيضًا: «عُقدة عصيان حوَّاء فُكَّت بطاعة مريم؛ فما ربطته العذراء حوَّاء بعدم الإيمان، حلَّته العذراء مريم بالإيمان». صحيح أنَّ القدِّيس إيريناوس لم يكتب حرفيًّا عبارة «حوَّاء الجديدة»، بل اكتفى باستخدام لقب «العذراء Παρθένος – Parthénos»، إلَّا أنَّ مقاربته بين المرأتين توصِلنا بوضوح إلى أنَّ العذراء مريم هي «حوَّاء الجديدة». وعلى سبيل الموازاة، يُدعَى المسيح يسوع «آدم الجديد». فالرسول بولس يقارن في رسالته إلى رومية بين آدم الَّذي بسببه دخلت الخطيئة والموت إلى العالم، وبين يسوع المسيح الَّذي به دخلت النعمة والحياة. ومن هنا جاءت التسمية «آدم الأخير ὁ ἔσχατος Ἀδάμ- o eschatos Adam»، أي «آدم الجديد». ويؤكِّد بولس ذلك في رسالته الأولى إلى كورنثوس: «هكذا مكتوب أيضًا: صار آدم، الإنسانُ الأوَّل، نفسًا حيَّة، وآدمُ الأخير روحًا محييًا» (1 كورنثوس 15: 45). وهكذا، فإنَّ كثيرين من آباء الكنيسة القدِّيسين تناولوا في كتاباتهم معنى «حوَّاء الجديدة» و«آدم الجديد». نذكر منهم: القدِّيس أفرام السريانيَّ (القرن الرابع) الَّذي قال إنَّ امرأتين بريئتين وبسيطتين، مريم وحوَّاء، كانتا في كلِّ شيء متساويتين، غير أنَّ الواحدة صارت فيما بعد سبب موتنا، والأخرى سبب حياتنا. والقدِّيس كيرلُّس الأورشليميَّ (القرن الرابع) في عظاته التعليميَّة. والقدِّيس أمبروسيوس أسقف ميلانو (القرن الرابع) الَّذي أكَّد أنَّ الموت جاء عن طريق حوَّاء، أمَّا الحياة فجاءت عن طريق مريم. والقدِّيس يوحنَّا الدمشقيَّ (القرن الثامن) الَّذي شرح أنَّ حوَّاء كانت سبب الهلاك، بينما صارت مريم سبب الخلاص؛ الأولى خدعتها الحيَّة، والثانية بشَّرها جبرائيل. وقد تكلَّم آباء كثيرون غيرهم في السياق نفسه، وما زالوا يتكلَّمون، مبرزين سرَّ الطاعة الجديدة في المسيح ومريم مقابل العصيان القديم في آدم وحوَّاء. الصلوات في نصوصنا الليتورجيَّة مليئة بالمقارنة بين حوَّاء ومريم العذراء. فنسمع مثلًا: «بكِ، يا والدة الإله، انحلَّت اللعنةُ الَّتي جاءت من حوَّاء، وبكِ أزهرت البركةُ للعالم كلِّه». وأيضًا: «بكِ تأنَّس الله، وأعاد آدم إلى الفردوس، وأنتِ صرتِ أمَّ الحياة، لأنَّكِ ولدتِ المخلِّص الَّذي أحيا العالم». كذلك، «اليوم وُلدت العذراء الَّتي بها تتجدَّد الخليقة وتنهدم لعنة حوَّاء». وفي الباريكليسي والمديح نرتِّل: «افرحي يا مسكن الفرح والسرور، يا من بها انحلَّت لعنةُ الأمِّ الأولى. افرحي أيَّتها العذراء عروس الله، يا إصلاح آدم وتقويمه». هذا هو إيمان الكنيسة منذ البدء. ففي حوار القدِّيس يوستينوس الشهيد (100–165م) مع تريفون اليهوديِّ، يشرح أنَّ «ابن الله» صار إنسانًا بواسطة العذراء مريم، فمحا المعصية الَّتي كانت بإيحاء الحيَّة. من كلِّ ما ذُكر أعلاه، نلاحظ أنَّ تركيز الآباء القدِّيسين والصلوات الكنسيَّة هو على شخص المخلِّص، الربِّ يسوع المسيح. ومن خلاله تُكرَّم والدة الإله، لأنَّها أمُّ المخلِّص، مخلِّصها ومخلِّصنا. فما فقدناه بواسطة المرأة الأولى، أُعيد إلينا بواسطة المرأة الجديدة. نعود إلى «قيثارة الروح» القدِّيس أفرام السريانيِّ، الَّذي قال: «استترت حوَّاء في بتوليَّتها بأوراق العار، أمَّا القدِّيسة مريم، فلبست في بتوليَّتها ثوب المجد الَّذي يكفي الجميع. لقد قدَّمت قطعة من الملابس –أي الجسد– لذاك الَّذي يكسو الجميع». فإذا كانت الحيَّة قد فتحت قديمًا قبرًا أسقطت فيه حوَّاء وبالتالي آدم، فإنَّ مريم العذراء، بقولها «نعم» للملاك جبرائيل، فتحت باب السماء، لينفتح قلبنا ويولد فيه الإله المتجسِّد كما وُلد في أحشائها، وتنمو في داخلنا شجرة الحياة. ومن المهمِّ جدًّا أن نتوقَّف عند ما قاله القدِّيس غريغوريوس النيصصي (القرن الرابع): إنَّ مريم العذراء استفسرت من الملاك جبرائيل عن كيفيَّة الحبل البتوليِّ قبل أن توافق، بينما حوَّاء قبلت إغواء الشيطان على الفور. هذا الأمر يعلِّمنا درسًا بليغًا: ألَّا نقبل الشرَّ ويكون عندنا تمييز، ونطلب دائمًا نور الروح القدس، الَّذي هو وحده يمنحنا القدرة على التمييز بين الحقِّ والباطل، بين الحياة والموت. إلى الربِّ نطلب.