في إطار فعاليات الدورة الثالثة من تظاهرة “أيام التراث” التي شهدتها مدينة مراكش، انعقدت مساء أمس الأحد ندوة علمية مميزة تحت شعار “على خطى الماء والحدائق” والتي أقيمت في فضاء الميدان؛ وقد تزامنت هذه الفعالية مع اختتام الحدث التراثي الذي انطلق يوم الخميس الماضي في قصر الباهية؛ حيث اجتمع مجموعة متميزة من الفاعلين والمهتمين بالشأن الثقافي لمناقشة محاور هامة حول العلاقة بين الماء والحدائق في مراكش.

على خطى الماء والحدائق في مراكش

أبرزت الندوة التي أحيَتها الباحثة والمهندسة المعمارية سلمى زرهوني مدى التأثير الثقافي للبنية البيئية والمعمارية في المدينة الحمراء؛ كما شاركت المهندسة المعمارية سعاد بلقزيز، رئيسة جمعية “تراث لحفظ وتثمين التراث المادي واللامادي”، بمداخلة قيّمة ألقت الضوء فيها على أهمية الحفاظ على الموارد المائية كعنصر أساسي في تعزيز جمال الحدائق التاريخية لمراكش، فالماء يلعب دورًا مركزيًا في تنظيم البيئة وتكوين المشهد المعماري للمدينة على مدار الحقب الماضية، وهو ما يجعل مراكش تتمتع بخصوصية بين المدن المغربية من حيث التراث الطبيعي والمعماري.

فيلم وثائقي لإحياء ذاكرة الماء

من أبرز أحداث الندوة كان عرض الفيلم الوثائقي “مراكش على خطى الماء”، والذي قدَّم رؤية بصرية متكاملة توضح مسار الماء وأثره العميق في تشكيل نسيج المدينة العمراني وفضاءاتها الطبيعية، حيث يروي الفيلم قصة العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ويوضح كيف تمكّن سكان مراكش من التحكم في إدارة الموارد المائية عبر سنوات طويلة، ويمثل هذا الفيلم رسالة قوية بأهمية استمرارية هذه الجهود للحفاظ على هذا التراث الأصيل، كما يبرز دور الحدائق كمراكز حيوية بأسلوب معماري فريد ينبض بالحياة والجمال.

الشراكات والأهداف الداعمة للتراث

جاءت هذه الندوة ضمن فعاليات “أيام التراث” التي تم تنظيمها من قِبل وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالتعاون مع شركاء محليين مثل ولاية جهة مراكش-آسفي ومجلس الجهة والمجلس الجماعي لمراكش، هذا التعاون يهدف إلى تسليط الضوء على المعالم البيئية والمعمارية الموجودة خاصة الحدائق التاريخية والموارد المائية للمساهمة في حفظها وتثمينها؛ كما يشكل هذا الحدث منصة هامة لإشراك السكان والمهتمين في قضايا التراث البيئي والثقافي وتوعيتهم بأهميته في الاستدامة البيئية.

عناصر الهوية التراثية لمراكش

من الجوانب البارزة التي ناقشتها الندوة كانت كيفية دمج الماء والحدائق في هوية مراكش التراثية، إذ تعتبر المدينة مثالاً حيًا على الاندماج السلس بين الطبيعة والفن المعماري، فالحدائق ليست مجرد مساحات خضراء بل هي نظام بيئي متكامل يعكس عبقرية التصميم التقليدي الذي اعتمد على انتظام المياه وتدفقها، الأمر الذي ساهم في تكوين بيئة متوازنة مملوءة بالإبداع الفني والنشاط المستدام، لذا فإن أعمال الصيانة والحفاظ على هذه العناصر تعد ضرورية لضمان استمرار جمالها ورونقها.

تحمل تظاهرة “أيام التراث” رسالة واضحة بأهمية دمج التراث الثقافي والبيئي في برامج التنمية المستدامة ومراكش تمثل نموذجًا حيًا لذلك إذ يستمر مسار الماء والحدائق في إشعاعه كعنصر أصيل في الحداثة والتاريخ معًا.