إسطنبول - رويترز
بعد إعلانه حل نفسه وإلقائه السلاح، أنهي حزب العمال الكردستاني، الاثنين، رسمياً 40 عاماً من التمرد المسلح، ضد الدولة التركية، سقط خلالها أكثر من 40 ألف شخص منذ أن بدأ الحزب المحظور ثورته ضد أنقرة في عام 1984، بهدف إقامة دولة مستقلة للأكراد.
ويتوقع أن يعزز قرار حزب العمال الكردستاني الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، ويشجع على اتخاذ خطوات لتخفيف حدة التوتر في العراق، وكذلك في سوريا، حيث تتحالف القوات الكردية مع القوات الأمريكية.
ويأتي هذا الإعلان المحوري في وقت يسعى فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستغلال ما يرى أنها نقاط ضعف القوات الكردية التابعة للحزب في سوريا بعد أن أسقطت قوات المعارضة السورية نظام الرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول.
ويأتي أيضاً في ظل ضعف متزايد لموقف القوات الكردية في شمال العراق، حيث تتمركز، بعد طردها من تركيا وخارج حدودها.
ولا يضمن قرار حل الجماعة إرساء السلام رغم ترحيب أنقرة به، لكنه يمهد الطريق للاتفاق على إطار قانوني دقيق لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون تنظيماً إرهابياً.
ونشرت وكالة «فرات» للأنباء، المقربة من حزب العمال الكردستاني، ما وصفته بالبيان الختامي لمؤتمر عقده الحزب المحظور الأسبوع الماضي في شمال العراق حيث مقره، وجاء فيه: «أعلن حزب العمال الكردستاني نتائج مؤتمره الثاني عشر، وقرر المؤتمر حل الهيكل التنظيمي لحزب العمال الكردستاني، وإنهاء الكفاح المسلح وجميع الأنشطة التي تتم باسم الحزب».
وأكد مسؤول في الجماعة القرار، وقال إن كل العمليات العسكرية ستتوقف «فوراً».
وأضاف أن تسليم السلاح مشروط باستجابة أنقرة وموقفها من حقوق الأكراد ومصير مقاتلي الجماعة وقياداتها.
ويشكل الأكراد نحو 20% من سكان تركيا البالغ عددهم 86 مليون نسمة.
وعقد حزب العمال الكردستاني المؤتمر استجابة لدعوة وجهها زعيم الجماعة المسجون عبدالله أوجلان في فبراير/شباط لحل الحزب. وأوجلان مسجون في جزيرة جنوبي إسطنبول منذ عام 1999. وقال الحزب الاثنين، إن أوجلان سيتولى إدارة العملية.
ولم يتضح ما إذا كانت أنقرة وافقت على استمرار دور أوجلان، وهو ما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه قد لا يحظى بشعبية بين الأتراك.
ولم تتوفر تفاصيل عن كيفية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، وتفكيكه على الصعيد العملي. وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن قرار حزب العمال الكردستاني «ذو أهمية تاريخية» وقد يحقق السلام والاستقرار الدائمين لجميع شعوب المنطقة.
وأضاف في مؤتمر صحفي إلى جانب وزيري الخارجية السوري والأردني في أنقرة الاثنين: «هناك خطوات عملية ستُتخذ وسنتابعها من كثب».
التداعيات الإقليمية
لم يتضح أيضاً كيف ستؤثر هذه العملية في وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي تقود قوة متحالفة مع الولايات المتحدة لقتال تنظيم «داعش» الإرهابي، وتعتبرها تركيا تابعة لحزب العمال الكردستاني.
وقالت وحدات حماية الشعب في وقت سابق، إن دعوة أوجلان لا تنطبق عليها، ولم تعلق على إعلان الجماعة.
ويمنح قرار حزب العمال الكردستاني الرئيس رجب طيب أردوغان، فرصة لتعزيز التنمية في جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية، حيث أعاق التمرد اقتصاد المنطقة لعقود.
وقال مدير دائرة الاتصالات في الرئاسة التركية فخر الدين ألتون، إن تركيا ستتخذ التدابير اللازمة لضمان التقدم السلس نحو دولة «خالية من الإرهاب»، بعد قرار حزب العمال الكردستاني.
وورد في البيان الختامي لمؤتمر حزب العمال الكردستاني، أن الحزب «أنجز مهمته التاريخية. هزم نضال حزب العمال الكردستاني سياسة الإنكار وإبادة شعبنا وأوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديمقراطية».
ودأبت تركيا على قصف مقاتلي حزب العمال الكردستاني وقواعده بطائرات مسيرة وغيرها من الهجمات العسكرية داخل العراق في السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى الضغط على الجماعة التي نفذت بين عامي 2015 و2017 سلسلة تفجيرات تمخضت عن قتلى في أنقرة وإسطنبول ومدن تركية أخرى.
السياسة الداخلية
قال طيب تمل، نائب الرئاسة المشتركة لحزب المساواة والديمقراطية للشعوب التركي المؤيد للأكراد، الاثنين، إن قرار حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه له أهمية بالغة للشعب الكردي، ومنطقة الشرق الأوسط ككل.
وأضاف: «قرار حزب العمال الكردستاني بإنهاء وجوده والشروع في تحول جديد سيتطلب أيضاً تحولاً كبيراً في عقلية الدولة الرسمية في تركيا، وسيمهد إلى تبني نموذج جديد».
وذكر محللون أن أردوغان، الذي حاول مراراً إنهاء الصراع، يركز على المكاسب السياسية التي قد يجلبها السلام في الداخل، في الوقت الذي يتطلع فيه إلى تمديد حكمه المستمر منذ عقدين إلى ما بعد عام 2028 عند انتهاء ولايته.
ويأتي قرار حزب العمال الكردستاني في ظل اضطرابات سياسية في تركيا، فقد سجنت السلطات رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، في مارس/آذار بتهم فساد، ما أشعل أكبر احتجاجات في البلاد منذ عقد.
واستقرت الليرة التركية عند 38.764 مقابل الدولار، بينما ارتفع مؤشر الأسهم الرئيسي في بورصة إسطنبول ثلاثة في المئة.
وحظي الإعلان بترحيب في ديار بكر، أكبر مدينة في الجنوب الشرقي؛ إذ أدى عدم الثقة بالحكومة بين العديد من الأكراد إلى تآكل الآمال في نجاح عملية السلام.
وقال حسن حسين جيلان (45 عاماً): «من المهم حقاً ألا يموت الناس بعد الآن وأن تُحل المشكلة الكردية على نحو أكثر ديمقراطية»، واصفاً خطوة حزب العمال الكردستاني بأنها مهمة للغاية للأكراد والشعب التركي».
وكانت هناك جهود سلام متقطعة على مر السنين، أبرزها وقف إطلاق النار بين عامي 2013 و2015 الذي انهار في نهاية المطاف.
وسيزيل إنهاء التمرد بؤرة توتر دائمة في شمال العراق الغني بالنفط، والذي يديره الأكراد، وسيسهل جهود الإدارة السورية الجديدة لفرض نفوذ أكبر على المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في شمال سوريا.
وجاءت دعوة أوجلان بعد اقتراح مفاجئ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، من القومي المتطرف دولت بهجلي حليف أردوغان. ولاقى الاقتراح ترحيباً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأيضا من العراق وإيران؛ حيث يوجد عدد كبير من السكان الأكراد.
0 تعليق