نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : الجباية العادلة أساس النموّ والاستقرار, اليوم الخميس 24 أبريل 2025 10:11 مساءً
نشر في الشروق يوم 24 - 04 - 2025
بما أن الإعداد لقانون المالية 2026 بدأ من الآن، فإنه أمام الحكومة ما يكفي من الوقت للتفكير في حلول ناجعة وفعالة لتحقيق العدالة الجبائية حتى يكون كل التونسيين سواسية أمام واجب الضريبة. إذ لا يُعقل أن يتحمل الأجراء كل شهر العبء الأكبر من الجباية لا لشيء إلا لأن عملية الاقتطاع تتم مباشرة من أجورهم، في حين ينعم آخرون بدفع ضريبة ضعيفة او احيانا بالتهرب تماما من دفعها. ولا يعقل أن يتساوى الفقير والغني في دفع معلوم الأداء على القيمة المضافة والمعلوم على الاستهلاك و المعاليم الديوانية وغيرها من الضرائب الأخرى التي تشمل كل السلع دون استثناء ولا تأخذ بعين الاعتبار دخل الأشخاص ووضعيتهم الاجتماعية. فالأداء نفسه يدفعه العامل اليومي وصاحب الدخل المرتفع عند شراء مادة غذائية أو قطعة ملابس أو علبة دواء او غيرها من السلع المعيشية..
وتواجه عديد القطاعات، خاصة بعض المهن الحرة وبعض الانشطة التجارية او الخدمات تهمة دفع ضرائب ضعيفة مقابل ما تحققه من أرباح كبرى، وقد يصل الامر أحيانا حد دفع ضريبة تعادل ما يدفعه صاحب أجر ضعيف، وهو ما لا يستقيم وفق مبادئ العدالة والإنصاف. والاخطر من كل ذلك أن كثيرين ينجحون في الإفلات من دفع الضريبة باستعمال حيل ووسائل عديدة ومتنوعة تحول دون التفطن إليهم أو تساعدهم احيانا على الافلات من العقاب. وهو ما ينطبق أيضا على القطاع الموازي الذي يحقق أصحابه أرباحا كبرى لكن الدولة لم تنجح إلى حد الآن في إيجاد الآليات الضرورية لدمجه في القطاع المنظم حتى تستفيد من ذلك ميزانية الدولة. وهو أمر محير خصوصا ان كل الدول نجحت ولو نسبيا في ذلك في حين ظلت بلادنا غير قادرة على الاهتداء الى حلول جذرية وناجعة رغم توفر الإمكانات لذلك.
ولا يعاني التونسيون فقط من غياب العدالة الجبائية بل أيضا من ارتفاعها. فتونس من الدول القلائل إن لم تكن الوحيدة ضمن مجموعة الدول التي تتشابه معها من حيث الوضع العام التي تعتمد ضغطا ضريبيا مرتفعا للغاية بلغ 25.10 % سنة 2024. وهو ما يدفع الى التساؤل عن سبب التعويل الكبير من الدولة على الضرائب لتوفير التمويلات اللازمة لخزينة الدولة والحال أن الأمر يتطلب تنويع مصادر الميزانية عبر خلق الثروة وتحقيق النمو الاقتصادي المنشود. وعلى صعيد آخر، تملك الإدارة التونسية كل الامكانيات اللازمة، بشريا وماديا ولوجيستيا، لوضع الآليات الضرورية التي تمكن من تحقيق المساواة بين المطالبين بدفع الضريبة، على غرار الاعتماد على التكنولوجيات الرقمية الحديثة لمراقبة المداخيل والمصاريف في كل القطاعات والاعتماد على مختلف أجهزة الدولة لمراقبة القطاع الموازي وحثه على الاندماج في القطاع المنظم ودفع الضريبة.
تحتاج تونس اليوم عدالة جبائية يتساوى أمامها أصحاب الدخل الضعيف وأصحاب المداخيل المتعددة والكبرى وأصحاب الثروات لتحقيق التقدم الاقتصادي المطلوب والاستقرار الاجتماعي المنشود. وهو ما يجب التحضير له من الآن مع بداية إعداد قانون المالية القادم، وفق ما أشار إليه رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال لقائه أول أمس برئيسة الحكومة ووزيرة المالية عندما أكد على "منح الأولويّة القصوى للجانب الاجتماعي مع اعتماد جباية عادلة تُحقّق العدالة والإنصاف المنشودين". فعدم المساواة أمام الضريبة يؤدي حتما إلى حالة من الشعور بالظلم لدى الطبقات ذات الدخل المحدود او المتوسط التي تدفع ضرائب مرتفعة وبشكل منتظم، وفي مقدمتهم الأجراء، ومن المفروض ان لا تترك الدولة مكانا لذلك ولكل ما من شأنه أن يتسبب في تغييب العدالة الاجتماعية.
فاضل الطياشي
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق