نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : صناعة الأزمات و الفضاء الافتراضيّ المريض, اليوم الخميس 20 مارس 2025 10:32 مساءً
نشر في الشروق يوم 20 - 03 - 2025
نحن نعيش زمن صناعة الأزمات و الخيبات والتأثير بالقوّة على الرّأي العام والاستثمار في القضايا على تفاوت خطورتها لتحقيق تعاطف مُضادّ يضمّ أصوات المُحتجّين والرّافضين والمؤجّجين و الدّاعمين عن حقّ أو دونهفي خانة راحدة ... هذا لم يَعد مُفاجئا ،إنّه نتيجة حتميّة لانفجار تكنولوجيّ تواجهه البشريّة.
ليس مهمّا أن تكون القضية الخلافية، المثيرة للجدل و الضوضاء والصخب الفايسبوكيّ ذات شأن كبير و مهمّة ، إذ يكفي أن يَكُحّ الوزير أو المسؤول مثلا لتقوم الدّنيا ولا تقعد ويتحوّل الأمر إلى مسألة على غاية من الأهمية لدى المحللين والمفسّرين . ويكفي أن تنقطع "الحلالم " من السّوق في رمضان ليشتعل هذا الفضاء التواصليّ و يتحوّل الأمر بقدرة قادر إلى قضيّة رأي عام وأزمة تستوجب الحلول الاستعجالي الوطنية ولم لا الدّولي أيضا! .
يحدث أيضا ، وكثيرا ما حدث ذلك، أن تكون هذه المسائل ذات شأن كبير ، ومن الوزن الثّقيل تتعلّق بالاستقرار الاجتماعيّ والأمن المجتمعيّ والغذائيّ والاستقلال السّياديّ وغيرها ، مثل ملف الأفارقة وغزوهم العامرة ومناطق كثيرة من البلاد ، الإرهاب، التّهريب، اجتياز الحدود خلسة ، انتشار المخدّرات ، توحّش الجريمة ، الانهيار القيمي وغيرها .
وهي قضايا جديرة بإثارة الجدل على أن يكون مُجديا في صفّ الوطن ، و المواطن أوّلا ، بدل الإنجذاب إلى التعاطف المضادّ ودعم من يركبون على الأزمات ، ويفتحون علينا أبواب الجحيم باسم حقوق الإنسان ودعم حرية الضمير و فرض حرية التّعبير حتّى المسيئة منها لاستقرار تونس والتونسيين دون تقدير العواقب .
ولأن البعض لم يقدّروا بعدُ مخاطر ، ما معنى أن يكون الفرد ضدّ وطنه ومواطنيه، وهويته وخصوصيته ومصلحته العليا ، نجدهم يغلّبون مصالحهم الذاتية على المصلحة العامة ويغرقون في التضليل أذرعا ويتحوّلون إلى بوق من أبواق الشّيطان الأخرس و ينخرطون في سياسة صبّ الزّيت على النّار للسير بالأمر نحو مزيد التعقيد وإحلال الخراب بالجميع . فلا يهتمّ هؤلاء بمثل هذا الانحياز الأعمى للذّات والإعلاء المطلق للمصلحة الضيّقة ، ما إذا كانت القضية المثيرة للجدل لصالحنا أو ضدّنا ، وماهي مآلاتها وإلى أين سترسو بنا ، طبعا أتحدّث هنا عن مصلحة مواطن ومجتمع ، و مصلحة عُليا لوطن نجاحه واستقراره من نجاح الجميع واستقرارهم .
ومن منطلق هذا الانحياز الضيّق يشتعل الفايسبوك لأتفه الأسباب ولأقل الزلاّت، و ينقسم مستخدموه إلى "مع و ضدّ" ، ويتحزّب هؤلاء في شكل مجموعات وتكتّلات وينفخون في حبّة القمح حتى تصبح بالونا ونرى العجب من صور وفيديوهات وتسجيلات و تصريحات ووثائق وتسريبات ومعلومات و "حصريات " و"لايفات" بقدِيمها وجديدها ، المُفبرك منها و المُركّب ، والصالح والطالح وجميعها تصبّ في مهرجان من الفوضى يؤزّم الوضع ويُرعب مستخدم الفايسبوك ويُحبطه ويُشعره بالنّهاية!!.
أمام وابل من المعلومات، وأدفاق من الشّهادات والاعترافات و"الأسرار"، تتداخل الأصوات ، وتضيع القضية الحقيقية ويتدخّل" سحرة الفايسبوك" ليحولوا الحقيقة إلى باطل والباطل إلى حقيقة بأسلوب التضليل والمغالطة لغايات باتت مفضوحة أساسها سياسية قائمة على إحلال الفوضى و تصفية الحسابات بدل تصفية القضيّة و الأزمة ، دون أن ننسى الحصول على أكبر قدر من التفاعلات لغايات ربحية يجزي بها الفايسبوك مستخدميه الأوفياء .
كم من مرة فوجئنا بخبر عن حدوث كارثة طبيعية أو سياسية يثبت بعد ذلك أنه مجرّد فرقعة فايسبوكية ، لنتذكَّر إذن ، إشاعة الحوت العملاق الزّاحف نحو شواطئنا الصائفة قبل الماضية ، والتسونامي الذي سيضرب البحر الأبيض المتوسط ، و زلزال المتوسّط الأخطر في تاريخ البشرية وغيرها .
علينا أن نذكّر ببعض هذه الأخبار الزائفة التي خرجت من مخابر صناعة الإشاعة لبثّ الرّعب والخوف والاستكثار علينا حتّى راحة البال والفرح المُمكن ، لندرك حجم التلوّث الذي أصاب الفضاء الفايسبوكي حتّى عمّه الكذب والنّفاق والحقد وتصفية الحسابات ، وانتقلت جرائم الواقع وأمراضه إليه وباتت تتحكّم فيه وتحيد به عن أغراضه الأساسية القائمة على التواصل والتعارف والتثاقف وتبادل الآراء والفضفضة.
ما يحدث في ملف الأفارقة اليوم من مغالطات وتضليل ، من الطرفين ، من متعاطف/ مع ومتعاطف/ ضدّ، واستخدام الفبْركة لشيطنة التونسيّ واتّهامه بالعنصريّة واللا إنسانيّة ، وفي شقّ آخر ارتفاع أصوات محرّضة تُغوّل الإفريقيّ جنوب الصحراء وتحوّله إلى مارد سيأتي على الأخضر واليابس يدخل أيضا على فداحة الأزمة في صناعة الإشاعة. إنّ مثل هذا الخطاب المضادّ يجعلنا في حاجة إلى مراجعة علاقتنا بهذا الفضاء المريض، ورسم مساحة أمان كافية تحمينا من الانخراط في عالمه الغوغائيّ الدّاعم للتّفاهة والصفاقة و انحدار القيم و السّقوط الأخلاقيّ لا لشيء إلا لأنّ خواريزميات الفايسبوك و آليات اشتغاله تقوم أساسا على الإثارة و نشر الأخبار المغلوطة والمشكوك فيها وتدْويرها بكثرة بين المستخدمين لأجل تنشيط هذا الفضاء المزيّف .
وحيدة المي
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق