كشفت دراسة حديثة، أن الربع الخالي، الصحراء الشاسعة في شبه الجزيرة العربية، لم تكن دائماً أرضاً قاحلة، بل إنها كانت في السابق موطناً لنظام بحيرات وأنهار كثيرة.
وتشير الدراسة إلى أن المنطقة مرت بفترات متكررة من «الاخضرار»، نتيجة فترات هطول أمطار غزيرة، ما أدى إلى تشكيل بحيرات وأنهار قبل نحو 9 آلاف عام. وقد عززت هذه الظروف المؤاتية المراعي والسافانا، ما سمح بالهجرة البشرية إليها حتى عاد الجفاف، ما أجبر السكان على الانتقال.
وتسلط هذه الدراسة، المنشورة في مجلة Communications Earth & Environment، الضوء على تأثير الدورات المناخية في المناظر الطبيعية والمجتمعات البشرية.
وتعد صحراء الربع الخالي إحدى أكبر الصحاري في العالم، حيث تمتد على مساحة تقارب 650 ألف كم مربع - معظمها في السعودية - وتهيمن على شبه الجزيرة العربية، بكثبانها الرملية الشاهقة التي يصل ارتفاعها إلى 250 متراً. ومع ذلك، لم تكن هذه المساحة الشاسعة القاحلة دائما بهذه القسوة.
وقام فريق دولي متعدد التخصصات، بقيادة د. عبدالله زكي و سيباستيان كاستيلتورت من جامعة جنيف في سويسرا، وعبدالقادر عفيفي من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية، وأيضاً البروفيسور مايكل بيتراغليا من جامعة غريفيث في أستراليا، إلى جانب معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وجامعة تكساس، وجامعة وادي فريزر في كندا، بتوثيق وجود بحيرة قديمة وأنهار وواد كبير تشكل بفعل المياه في الربع الخالي.
وأوضح الدكتور زكي: «بناء على سلسلة من التأريخ، يبدو أن البحيرة بلغت ذروتها قبل نحو 9000 عام خلال فترة «الجزيرة العربية الخضراء» الرطبة التي امتدت بين 11000 إلى 5500 عام مضت. وتقدر مساحة البحيرة بأنها كانت هائلة، حيث غطت مساحة 1100 متر مربع، أي ما يقارب ضعف مساحة بحيرة جنيف، ووصل عمقها إلى 42 متراً».
وأضاف البروفيسور كاستيلتورت: «بسبب زيادة هطول الأمطار، انفتحت البحيرة في النهاية، ما تسبب في فيضان كبير ونحت وادي بطول 150 كم في أرض الصحراء».
واعتقد العلماء أن مصدر الأمطار الموسمية كان من الرياح الموسمية الإفريقية، كما تدل على ذلك الرواسب التي يمكن تتبعها على مسافة 1100 كم، تمتد من جبال عسير على طول البحر الأحمر، بالقرب من إفريقيا.
وقال البروفيسور بيتراغليا، مدير المركز الأسترالي لأبحاث التطور البشري في جامعة غريفيث، إن البحث أظهر أن الأمطار لم تكن ضعيفة، بل كانت أحياناً غزيرة وشديدة، ما أدى إلى تغيرات سريعة وواسعة النطاق في المشهد الطبيعي.
وتابع: «تشكيل البحيرات والأنهار، إلى جانب انتشار الأراضي العشبية والسافانا، كان سيقود إلى توسع جماعات الصيد، وجمع الثمار والمجتمعات الرعوية عبر ما هو الآن صحراء جافة وقاحلة».
وأكد: «هذا ما تؤكده الأدلة الأثرية الوفيرة في الربع الخالي وعلى طول شبكات بحيراته وأنهاره القديمة. وبحلول 6000 عام مضت، شهد الربع الخالي انخفاضاً حاداً في هطول الأمطار، ما خلق ظروفاً جافة وقاسية، أجبرت السكان على الانتقال إلى مناطق أكثر ملاءمة وغيرت نمط حياة المجتمعات البدوية». بحسب روسيا اليوم.
معالم غير ثابتة
والرُّبع الخالي أكبر صحراء رملية (متّصلة) في العالم، وهي جزء من الصحراء العربية رابع أكبر صحراء في العالم. وتحتل الثلث الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية، ويقع الجزء الأعظم منه داخل الأراضي السعودية. تبلغ مساحتها 430,000 كيلو متر مربع، وتمثل 67,7% من مجمل التجمعات الرملية في المملكة، فتمتد ألف كيلو متر طولاً وخمسمئة كيلو متر عرضاً. وترتفع فيها كثبان رملية ثلاثمئة متر وتتحرك باستمرار جاعلة الربع الخالي منعدم المعالم الثابتة.
كانت أول رحلة موثقة لرحالة غربي إلى الربع الخالي تلك التي قام بها برترام ثوماس عام 1931 وجون فيلبي عام 1932.
سمّاها ياقوت الحموي (575 ـ 626 هـ، 1179 ـ 1228م) واحة يبرين نسبة إِلى الواحة الواقعة في أطرافها الشمالية. وتقول العرب في وصف الكثرة: مثل رمل يبرين، يريدون رمل هذه الصحراء.
وعلى الرغم من قسوة البيئة الطبيعية في هذه المنطقة وخلوّها من النشاط البشري، إلا أنها تزخر بثروات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي والمعادن المشعة والرمال الزجاجية والطاقة الشمسية. وهي لم تعد خالية كما يوحي اسمها بذلك، إذ تنتشر فيها مراكز ومحطات شركة النفط الوطنية وتجوب الطائرات والسيارات سماءها وأرضها منقبة عن مدخراتها المعدنية.
جغرافية الربع الخالي
تمتد صحراء الربع الخالي من خط الطول 45° شرقاً إلى خط الطول 56° شرقًا أي نحو 1,200 كم. وتمتد من خط العرض 16° شمالاً إلى 23° شمالاً، أي نحو 640 كم في أقصى اتساع لها. وتبلغ مساحتها 640,000 كم² تقريباً.
وتغطي صحراء الربع الخالي كثبان رملية بعضها متحرك وبعضها ثابت، وبعضها على شكل حدوة الحصان وبعضها قبابي الشكل، وبعضها طولي الشكل يُسمى العروق. وهذه الكثبان الرملية أكثر ارتفاعاً في الغرب (1500 قدم) منها في الشرق (500 قدم)، وفي الجنوب الغربي (2000 قدم) منها في الشمال (1500 قدم).
المناخ
مناخ الربع الخالي قاري حار جداً في الصيف وبارد في الشتاء، والأمطار قليلة وتكاد تندر، وتهب العواصف الرملية على مدار السنة وتتراوح درجات الحرارة العظمى في الصيف من 40 إلى 50 c وأحياناً تصل إلى فوق 60 c والصغرى في الشتاء من 7 c إلى أقل من الصفر.
أخبار متعلقة :