إعداد: راشد النعيمي
تبرز شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومبادئه وقيمه مثالاً لواحد من أعظم الشخصيات القيادية في العالم، ومن أكثرها إلهاماً في صبره وحكمته ورؤيته. وتزخر سيرته وما تركه من ميراث عميق من القيم والمبادئ والتقاليد الراسخة التي ميزت الشخصية الإماراتية، وجسدت قوتها الناعمة في المنطقة والعالم بكثير من المواقف والعبر والدروس، خاصة أن دولة الاتحاد التي أسسها مع إخوانه حكام الإمارات، قامت على الوحدة والتكاتف والتضامن، وعملت من أجل بناء تجربة تنموية حقيقية ينعم الجميع بثمارها ويعيشون في ظلالها في أمن واستقرار شاملين. ولهذا ترسخت أركان هذه التجربة الوحدوية الفريدة وباتت نموذجاً ملهماً لكثير من دول المنطقة والعالم.
رسخ أسلوباً خاصاً في المتابعة الميدانية لمشروعات التنمية
تبرز شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ومبادئه وقيمه مثالاً لواحد من أعظم الشخصيات القيادية في العالم، ومن أكثرها إلهاماً في صبره وحكمته ورؤيته. وتزخر سيرته وما تركه من ميراث عميق من القيم والمبادئ والتقاليد الراسخة التي ميزت الشخصية الإماراتية، وجسدت قوتها الناعمة في المنطقة والعالم بكثير من المواقف والعبر والدروس، خاصة أن دولة الاتحاد التي أسسها مع إخوانه حكام الإمارات، قامت على الوحدة والتكاتف والتضامن، وعملت من أجل بناء تجربة تنموية حقيقية ينعم الجميع بثمارها ويعيشون في ظلالها في أمن واستقرار شاملين. ولهذا ترسخت أركان هذه التجربة الوحدوية الفريدة وباتت نموذجاً ملهماً لكثير من دول المنطقة والعالم.
تمر السنوات ويستذكر الجميع دور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيّب الله ثراه، في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وترسيخ أسس نهضتها الحديثة وإنجازاتها المحلية والإقليمية والعالمية، فضلاً عن تقدير شخصه، وما جسده من مبادئ وقيم مثلت ولا تزال الأساس الصلب الذي نهضت عليه دولة الإمارات، وما يكنّه له شعبه من حب وولاء.
مولده ونشأته
وهب زايد نفسه لبناء وطنه وخدمة مواطنيه وتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم في الحياة الكريمة الرغدة، وقاد ملحمة البناء من مرحلة الصفر، منطلقاً من رؤية ثاقبة بتسخير عوائد الثروات الطبيعية لبناء الإنسان وإقامة المدارس ونشر التعليم وتوفير أرقى الخدمات الصحية، وأحدث المستشفيات والعيادات العلاجية في كل أرجاء الوطن، وإنجاز المئات من مشروعات البنية الأساسية العصرية والمستوطنات البشرية، التي شكلت منظومة من المدن العصرية الحديثة التي حققت الاستقرار للمواطنين. لقد كان بحق رجل التنمية ومن الزعماء القلائل الذين تفانوا وكرسوا حياتهم وأعطوا بكل سخاء من أجل عزة وطنهم وإسعاد شعبهم.
ولد الشيخ زايد، في قصر الحصن بمدينة أبوظبي عام 1918. والده الشيخ سلطان بن زايد كان حاكماً لإمارة أبوظبي من (1922-1926). وكان زايد، الابن الأصغر بين أربعة أشقاء، وسُمِّي باسم جدِّه زايد بن خليفة، المعروف ب«زايد الأول» الذي حكم الإمارة من (1885-1909).
وقد تفتحت عينا زايد وسط البيئة القاسية والحياة الصعبة التي عاشها سكان إمارة أبوظبي في قلب الصحراء، وعلى ضفاف السواحل في تلك المرحلة من تاريخها، حيث بدأ في الاطلاع على أصول الدين وحفظ القرآن الكريم ونسج من معانيه نمط سلوكه ونهج حياته ورؤيته للمستقبل.
وأتقن زايد عندما أصبح شاباً فنون القتال والصول والجول والإقدام، وبدأت ثقافته تكتسب بعداً جديداً، فولع بالأدب والشعر والتاريخ، وأبدى اهتماماً كبيراً بمعرفة وقائع تاريخ العرب وأمجادهم، وكان من أمتع أوقاته الجلوس إلى مجالس كبار السن، ليستمع منهم إلى ما يعرفونه من سِير الآباء والأجداد وبطولاتهم حيث بدأت الشخصية القيادية للشيخ زايد تتبلور وتظهر بجلاء خلال هذه الحقبة من بداية الأربعينات.
أظهر شغفاً متزايداً بكل ما يمتّ إلى العربي الأصيل، كالصيد بالصقور، وركوب الهجن العربية الأصيلة والخيل، وإتقان الرماية. وتشكَّلت شخصيته في فجر شبابه عندما كان في مدينة العين، واستمد الكثير من صفائها ورحابتها. واكتسب صفات الزعامة والقيادة السياسية التي اتسمت بها شخصيته الفذة.
ممثل للحاكم
عُين الشيخ زايد عام 1946 ممثلاً لشقيقه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبوظبي في المنطقة الشرقية، وامتدت ولايته فيها عشرين عاماً. واشتهر بشخصيته القيادية بين سكان المنطقة، وحظي بسمعة طيبة، وكان نموذجاً يُحتذى في إدارة الحكم. وتمثَّلت مبادئ القيادة لديه في بناء الروابط القوية بينه وبين أفراد شعبه، والمحافظة على تلك الروابط. وكان يحرص على الإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، وكان مجلسه مفتوحاً للجميع.
كان الشيخ زايد يتخذ قراراته بموافقة القبائل المختلفة وإجماعها، ويسافر إلى جميع المناطق القريبة والنائية، للاطمئنان على الناس، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، ومشاورتهم، والاستماع إليهم قبل اتخاذ أي قرار، حتى ذاع صيته، وحظي بحب الشعب واحترامه، وكأنه فرد منهم. سجّل ولفرد ثيسيجر، الرحالة البريطاني الشهير الذي قطع صحراء الربع الخالي ووثّق رحلته الشهيرة تلك في كتابه «الرمال العربية» – بعض الانطباعات في كتابه عن لقائه الشيخ زايد فقال: «إن زايد رجل قوي البنية، لحيته بنية اللون، ووجهه ينمُّ عن ذكاء حادّ، وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة، ويتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية. لقد كنت متشوقاً للقاء زايد، فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم، ولعلاقاته الودية معهم، واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية، وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون: زايد بدوي مثلنا، فهو يعرف الكثير عن الهجن، ويركبها مثلنا، وهو ماهر في الرماية، ويجيد القتال».
وصف الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال «زايد رب أسرة كبيرة، يجلس دائماً للإنصات لمشاكل الناس ويحلها، فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء، وكلهم رضى عن أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل».
أما النقيب البريطاني السابق في قوة ساحل عمان أنطوني شيبرد، فنشر كتاباً أسماه «مغامرة في الجزيرة العربية»، سجل فيه انطباعاته بعد لقاء الشيخ زايد، فقال: «كان زايد رجلاً يحظى بإعجاب وولاء البدو الذين يعيشون في الصحراء المحيطة بواحة البريمي، وكان بلا شك أقوى شخصية في الإمارات المتصالحة».
وكتب الممثل السياسي البريطاني في أبوظبي العقيد هيو بوستيد، بعد زيارة له إلى العين «تدهشني الجموع التي تحتشد دوماً حوله في البريمي، وتحيطه باحترام واهتمام. كان لطيف الكلام دائماً مع الجميع، وكان سخيّاً جدّاً بماله، ودهشت على الفور من كل ما عمله في بلدته العين وفي المنطقة لمنفعة الشعب، فقد شق الترع لزيادة المياه لري البساتين، وحفر الآبار، وشيد الحمامات الحديثة في الأفلاج. إن من يزور العين يلاحظ سعادة أهل المنطقة».
زار الباحث البريطاني كلارنس مان، المنطقة الشرقية، وحضر مجالس الشيخ زايد، وألّف كتاباً عن إمارة أبوظبي بعنوان «أبوظبي.. ولادة مشيخة نفطية»، تنبأ فيه عام 1964 بأن يكون الشيخ زايد بن سلطان، هو الحاكم القادم للإمارة، إذ قال «إن الشيخ زايد بن سلطان هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها، ومن هنا امتد نفوذه إلى بقاع الظفرة، وهو يلقى احترام رجال البدو، وقد كرَّس المال القليل الذي توفّر لديه للقيام بإصلاحات في منطقة البريمي، ويرجع إليه فضل بسط نفوذ أبوظبي على البادية، فضلاً عن عدالته، وروحه الإصلاحية، وقدراته السياسية الفائقة، بأن يكون رجل البلاد المنتظر في إمارة أبوظبي.
حاكم أبوظبي
مع اكتشاف النفط في إمارة أبوظبي في أواخر خمسينات القرن العشرين بدأ عصر جديد من التطور في منطقة الخليج العربي قلَب المشهد الاقتصادي برمته، وعندما صدَّرت أبوظبي أول شحنة نفط عام 1962 باتت الأمور جليّة والتحديات واضحة للمرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي على جميع الصُّعُد: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. وكانت السياسية أبرزها، إذ كان البلد في أمسّ الحاجة إلى رؤية جديدة للحكم لتتصدى لتلك التحديات، وتخطط تخطيطاً ناجحاً لاستغلال أمثل لعوائد النفط، فجاء اختيار عائلة آل نهيان للشيخ زايد، ليكون حاكماً لإمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966، مواكباً تلك المرحلة الجديدة من تاريخ أبوظبي.
وأعلن زايد منذ اللحظات الأولى لتوليه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي، عزمه على تسخير عائدات الثروات النفطية لبناء تقدم الوطن وتحقيق سعادة المواطنين مؤكداً «إذا كان الله عزّ وجلّ، قد منّ علينا بالثروة فإن أول ما نلتزم به لرضاء الله وشكره، أن نوجّه هذه الثروة لإصلاح البلاد ولسوْق الخير إلى شعبها». وتعهد زايد للرعية.. «إن من حقوق الله علينا رعاية من ولّانا الله إياهم بقدر ما في الوسع والطاقة وإن من رضوان الله على عباده أن يقوم بعضهم ببعضهم وإن الله لا يولّي على عباده إلا من يرفق بهم ويطبق شريعته». وأضاف مؤكداً.. «إنني مثل الأب الكبير الذي يرعى أسرته ويتعهد أولاده ويأخذ بيدهم حتى يجتازوا الصعاب ويشقوا طريقهم في الحياة بنجاح».
بدأ الشيخ زايد بتحقيق إصلاحات واسعة في البلاد، فشرع يطور التعليم والصحة، ويخطط لتطوير المدن وقضايا الإسكان لأفراد الشعب، ووضع برنامجاً ضخماً لعملية الإنماء، وبدأ يدفع أبناء شعبه إلى المشاركة بكل طاقاتهم في هذه العملية، ودعا الكفاءات الأجنبية لدعم هذه المسيرة بالخبرات. ولم تمضِ أيام على تسلمه مقاليد الحكم حتى أعلن إقامة حكومة رسمية حديثة بالإدارات والدوائر، وأوكل عليها المهام اللازمة لتسيير أمور الدولة.
كان من ضمن أولوياته: شقّ الطرقات، وبناء جسر يربط جزيرة أبوظبي باليابسة، وإقامة المدارس والمساكن والخدمات الطبية، وإنشاء ميناء ومطار. وتغير وجه أبوظبي، فغدت ورشة عمل في كل اتجاه، وأصبح صوت الآلات في كل حدب وصوب، وانتقل آلاف السكان من سكن «العشيش» إلى المنازل الحديثة، وامتدت الطرق الحديثة فوق رمال الصحراء، ودخلت المياه العذبة والكهرباء إلى كل بيت، وانتقل التعليم من نظام «المطاوعة» إلى النظام الحديث في التعليم، وانتشرت المدارس على اختلاف مراحلها في كل بقعة من البلاد، وفتحت عشرات الفصول الجديدة لنظام محو أمية لمن فاتهم قطار التعليم، وبدأت العيادات تقديم خدماتها الطبية للبدو في الصحراء بعد أن حرموا الرعاية الصحية طويلاً، ونجحت المسيرة في تعويض قرون من التخلف والجمود.
رئيس لدولة الإمارات
أسس الشيخ زايد اتحاد الإمارات، بفضل رؤيته المتطلعة إلى المستقبل، وإدراكه لأهمية تعاون أبوظبي مع الإمارات الأخرى لتحقيق الرخاء. وعليه، فقد التقى بالشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي آنذاك، ومن ثم عقدا اللقاءات وجلسات التشاور المتعاقبة مع حُكام الإمارات. وفي يوم 2 ديسمبر 1971 تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة وكانت تضم ست إمارات هي أبوظبي وعجمان ودبي والفجيرة والشارقة وأم القيوين، وانضمت لها رأس الخيمة رسمياً في 11 فبراير 1972.
وقد استعان بالموارد المتحصلة من عائدات البترول لتنفيذ كبرى المشروعات الإنمائية وإطلاق العديد من المبادرات التي أسهمت في تحسين حياة الكثيرين وفي بناء دولة عظيمة.
ورسخ الأسلوب المتفرد الذي انتهجه الشيخ زايد في المتابعة الميدانية لمشروعات التنمية والتطوير وملاحقة مراحل إنجازها دلالات مهمة لنهج القدوة في مباشرة مسؤوليات الحكم.
19 رمضان انتقل رحمه الله إلى جوار ربه في الثاني من نوفمبر عام 2004 في أواخر الثمانينات من عمره، تاركاً قدوة ومثالاً يحتذى في العطاء والخير، واستحق لقب الوالد، فكان الأب والأخ والصديق لكل مواطن ومقيم على أرض دولة الإمارات، وفتح ذراعيه للجميع دون استثناء. وشكلت سياسته وحكمته منهجاً لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى يومنا هذا.
نعت الدول العربية والأجنبية الشيخ زايد، وحزن لفقده كثير من شعوب العالم، وأصدر رؤساء الحكومات الدولية رسائل رثاء ملأى بعبارات الأسى لشخص يكنّ له كل العالم الاحترام، وعدّ الكثير رحيله خسارة كبيرة، لإنجازاته التي لا يمكن حصرها.
أخبار متعلقة :