أسهمت الإمارات في إنجاز طبي غير مسبوق، وهو نجاح فريق طبي بريطاني في تغيير مسار حياة مراهق يدعى ريمي بيريزكزاك (19 عاماً)، بعد أن خضع لعلاج جيني لعلاج المرض الحبيبي المزمن من نوع p47 (CGD)، وهو اضطراب وراثي نادر يُضعف الجهاز المناعي ويُعرض المرضى لعدوى خطرة ومتكررة.
العلاج الجيني الجديد طُور وصُنع وقُدم بالكامل داخل مركز زايد لأبحاث الأمراض النادرة لدى الأطفال، وهو مركز أبحاث مشترك بين مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال وجامعة كوليدج لندن. وتأسس المركز بدعم مالي كبير من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك «أم الإمارات»، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية.
وفي إطار هذا العلاج، استخدم الفريق الطبي ناقلاً فيروسياً معدلاً وآمناً، وهو فيروس غير ضار يُستخدم لنقل الجينات السليمة إلى خلايا المريض. وتُعد عملية إنتاج هذا الناقل من أعقد مراحل العلاج، إذ تتطلب دقة عالية لضمان السلامة والفعالية.
ترخيص
في عام 2023، حصل مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال على ترخيص رسمي من هيئة تنظيم الأدوية البريطانية لتصنيع هذه النواقل داخل مركز زايد، ما مكنه من تسريع العملية البحثية ونقل العلاج من المختبر إلى المرضى مباشرة.
وبفضل هذا الإنجاز، أصبح البريطاني ريمي بيريزكزاك، الذي كان يعاني منذ طفولته التهابات شديدة، وسوء تغذية، وفترات طويلة من التنويم بالمستشفى، على مشارف حياة جديدة، فهو يستعد للالتحاق بتخصص القانون في الجامعة، بعد عام من تلقيه للعلاج الذي غير حياته بالكامل.
العلاج الجديد طُور ضمن أول تجربة سريرية من نوعها في العالم بقيادة باحثين من معهد صحة الطفل بجامعة كوليدج لندن بالتعاون مع مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال (GOSH)، ومركز زايد لأبحاث الأمراض النادرة في بريطانيا.
أول مريض
ريمي بيريزكزاك هو أول مريض حصل على العلاج العام الماضي، ضمن تجربة ستشمل خمسة مرضى يعانون النوع p47 النادر.
ويُعد النوع p47 CGD من أشد أنواع نقص المناعة الوراثي، ويصيب شخصاً من كل مليون، ويتسبب في التهابات مهددة للحياة، من ضمنها التهاب القولون ومضاعفات التهابية معقدة. وقبل الإنجاز الجيني، كان خيار العلاج الوحيد زراعة نخاع العظم، وهو أمر معقد بسبب صعوبة العثور على متبرع مطابق.
ونجحت تجارب للعلاج الجيني على نوع آخر من المرض (X-CGD)، لكن هذه أول تجربة تُجرى على النوع p47.
وقال ريمي بيريزكزاك: «قبل التجربة، كنت مريضاً جداً، وزاد وزني بسبب الالتهاب في أمعائي، وغبت كثيراً عن المدرسة، حتى أثناء التعلم عن بُعد، لم أكن أستطيع التركيز بسبب حالتي، والعلاج الجيني غيّر حياتي بالكامل، أستطيع الآن الخروج دون قلق، ومساعدة عائلتي، وأنا متحمس لبداية مرحلتي الجامعية».
وتمكن ريمي بيريزكزاك بعد العلاج من اجتياز امتحان القيادة وإتمام اختبارات المستوى المتقدم (A-level)، والتي كان أجلها بسبب حالته الصحية.
لحظة فارقة
البروفيسورة كلير بوث، قائدة التجربة السريرية وأستاذة العلاج الجيني في معهد صحة الطفل، قالت: «على مدار 25 عاماً، كان المستشفى في طليعة العلاجات الجينية. واليوم، ولأول مرة، نجحنا في تطوير وتصنيع وتقديم علاج جيني بالكامل تحت سقف واحد. إنها لحظة فارقة».
وأضافت: «هذا الإنجاز يعني أن العلاجات الجينية المستقبلية التي نُطورها قد تصل للمرضى أسرع من أي وقت مضى، وتُحدث فرقاً حقيقياً في حياة المصابين بأمراض نادرة، مثل ريمي».
نموذج طبي عالمي
تُشكل تجربة ريمي بيريزكزاك إنجازاً طبياً وإنسانياً كبيراً، وتؤكد إمكانات العلاج الجيني في التعامل مع الأمراض الوراثية النادرة، كما تُسلط الضوء على أهمية التكامل بين البحث العلمي والتطبيق السريري، وتُعد نموذجاً يحتذى به عالمياً في تطوير حلول طبية مخصصة تنطلق من المريض وتعود إليه بنتائج ملموسة.
0 تعليق