تحقيق: محمد نعمانطالب أولياء أمور الجهات المختصة بإعادة النظر في ساعات الدوام المدرسي، خصوصاً في أوقات الذروة التي تتزامن مع أوقات انصراف الطلاب، مؤكدين أن الخوف من تعرّض الأبناء لضربات الشمس بات هاجساً يومياً لدى الكثير من الأسر. وتأتي هذه المطالبات بالتزامن مع خطوات اتخذتها بعض الدول العربية المجاورة، التي بدأت بالفعل في تعديل مواعيد الحضور والانصراف المدرسي، تماشياً مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير نمط الطقس.تؤكد بعض الأُسر أن أبناءها يعانون الإرهاق فور عودتهم إلى المنزل بعد يوم دراسي طويل، يقضونه في بيئة مناخية قاسية، من دون توافر الأحوال الملائمة للتكيّف مع الطقس، ما ينعكس سلباً على صحتهم الجسدية والنفسية. وأشار بعضهم إلى أن هذا الإجهاد لا يقتصر على الجانب البدني فقط، بل يمتد ليؤثر في الحالة المزاجية للأطفال، حيث يصبحون أكثر عصبية، وأقل رغبة في مراجعة دروسهم أو التفاعل الأسري بعد العودة.بادرت بعض المدارس باتخاذ إجراءات احترازية، كدعوة أولياء الأمور إلى إرسال عبوات مياه مع أطفالهم، أو تزويدهم بمبالغ لشراء الماء، إلا أن هذه الحلول تبقى في نظر الكثير غير كافية، ولا تمثل استجابة شاملة لحجم المشكلة. فالمشكلة في نظرهم ليست في توفير الماء فقط، بل في تقليل أوقات التعرض للحرارة المفرطة، داخل المدرسة أو في محيطها، خاصة أثناء الانصراف وانتظار وسائل النقل.حصص السباحةلجأت بعض المدارس بدبي إلى أن تستبدل بحصص الرياضة «التربة البدنية» التقليدية حصص السباحة لحماية الطلاب من التعرض المباشر لأشعة الشمس، وتقليل خطر الإصابة بضربات الحرارة. هذا التوجه لعلاج المشكلة اضطرت له إدارات المدارس للتكيّف مع التغيرات المناخية، من دون التنازل عن ضرورة ممارسة النشاط البدني.ويؤكد أولياء الأمور أن أطفالهم، لا يملكون القدرة على التعبير عن شعورهم بالإرهاق أو العطش المستمر، ما يزيد احتمالية تعرّضهم لمضاعفات صحية، لا يلاحظها المعلمون أو المشرفون في الوقت المناسب.ساحات مكشوفةوأشار عدد من المُعلّمين إلى أن البيئة المدرسية ليست مجهزة دائماً بالشكل المطلوب، لمواجهة موجات الحر، خاصة في الساحات المكشوفة وأماكن انتظار الحافلات، التي تشهد أعلى معدلات التعرض للتعب الحراري والإجهاد بين الطلاب، فيقول حسن عبد العزيز المرزوقي، وسلطان محمد حارب، وناصر العامري: إن طلاب الحلقات «الأولى والثانية» على وجه الخصوص يواجهون صعوبة في تحمّل درجات الحرارة المرتفعة.وأضافوا أن أجهزة التكييف المركزية داخل الصفوف لا تكفي لحماية الطلبة، لأن أوقات الانتظار والانصراف تكون في ساحات واسعة غير مهيأة، وهو ما يضاعف حجم المعاناة اليومية. كما أعرب بعضهم عن تخوفهم من تدني مستوى التركيز والتحصيل الدراسي نتيجة الإرهاق بسبب الحرارة.في سياق متصل قال محمد خالد، أحد أولياء الأمور ل«الخليج»: «ابني في الصف الثالث، يعود يومياً من المدرسة بوجه شاحب وملابسه مبللة بالعرق، رغم أننا نرسله ومعه عبوة ماء مثلج. لكن هذا لا يمنع الإجهاد، خاصة أن رحلة العودة نفسها طويلة وتكون في وقت شديد الحرارة. وقدرة أجهزة التكييف في حافلات المدرسة غالباً ما تكون ضعيفة وأحياناً معطلة».وأضافت علياء صالح محمد، (وليّة أمر): «نحن لا نطالب بأشياء مستحيلة، نطلب أن يُنظر إلى مصلحة الأطفال. وتعديل توقيت الدوام، بحيث ينتهي قبل اشتداد الشمس، قد يكون كفيلاً بتقليل هذا الخطر الكبير».وأكدت، «المسألة لم تعد مسألة تكيّف فردي، بل باتت تستوجب سياسة تعليمية واضحة لمواجهة الطقس الجاف، خصوصاً أن الفئة المستهدفة ما زالت في طور النمو وتحتاج إلى حماية خاصة. فالأطفال غالباً لا يدركون حجم الخطر الكامن في التعرض المستمر لأشعة الشمس، ما يُحتم على المؤسسات التعليمية الانتقال من مرحلة التوصيات إلى اتخاذ قرارات ملموسة».تقليص ساعات الدوامطالب أولياء أمور بتقليص ساعات الدوام أو تعديلها لتفادي ذروة الحرارة، فلم تعد مسألة التقليص رفاهية، بل ضرورة ملحّة تمسّ سلامة أبنائنا، وتؤثر مباشرة في جودة حياتهم التعليمية. وأشارت إلى أن الصحة الجسدية والنفسية للطلبة ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببيئة التعلم، وهو ما يتطلب تحركاً عاجلاً من الجهات المختصة لتقييم الوضع واقتراح حلول عملية تتناسب مع الظروف المناخية المتغيرة.«الخليج» انفردت بإعلان بعض المدارس تعديل ساعات الدوام المدرسي، حيث اعتمدت إداراتها توقيتاً صيفياً تماشياً مع الأحوال المناخية القاسية، إذ قلّصت المدة الزمنية لإنهاء الدوام المدرسي، فيما لاتزال مدارس أخرى تعتمد ساعات دوام نمطية.مقترحات مطروحةتنوعت المقترحات المطروحة بين العودة إلى الدوام المبكّر جداً، والاعتماد جزئياً على التعليم المدمج خلال الأوقات الحارة، ما يتطلب تنسيقاً مشتركاً بين الإدارات وأولياء الأمور، لتحقيق التوازن بين متطلبات التحصيل الدراسي وضمان السلامة الصحية.كما دعا عدد من الأهالي إلى تشكيل لجان متابعة ميدانية تتولى رصد درجات الحرارة، وتأثيرها المباشر في الطلاب، وتقديم تقارير دورية تساعد متخذي القرار على تبني سياسات واقعية، ترتكز على البيانات لا على الاجتهادات.خطورة التعرض للشمسأكد د. عمرو الظواهري، استشاري طب الأطفال ورئيس قسم بمستشفى «ميدكير رويال»، التخصصي بدبي، أن الأطفال دون السابعة من الفئات الأكثر عرضة للإصابة بضربات الشمس، لضعف قدرتهم الطبيعية على تنظيم حرارة أجسامهم وسرعة فقدانهم للسوائل.وأوضح أن «ضربة الشمس حالة طبية طارئة يمكن أن تهدد حياة الطفل إذا لم يتعامل معها بسرعة. من أبرز أعراضها: ارتفاع حرارة الجسم فوق 40 مئوية، وشحوب الجلد أو احمراره، ودوار، وغثيان، تصرفات غير معتادة، وتسارع في التنفس، وقد تصل إلى الإغماء».وأضاف، «المُعلّمون والأهالي مطالبون بالبقاء في حالة يقظة ومراقبة مستمرة، خصوصاً خلال أوقات الذروة بين 10 صباحاً و4 عصراً، حيث تبلغ الأشعة فوق البنفسجية ذروتها».وشدّد على أهمية الإجراءات الوقائية داخل المدارس، قائلاً: «لا بدّ من تنظيم أوقات خروج الطلاب، وتوفير أماكن مظللة أو مكيّفة، وإتاحة مياه الشرب بشكل دائم، مع تشجيع الأطفال على ارتداء قبعات واقية وملابس فضفاضة وفاتحة اللون».ودعا أولياء الأمور إلى «تجنّب الأنشطة الخارجية خلال ساعات الحر الشديد، وضمان استخدام الأطفال لواقي الشمس وتجديده بانتظام، إضافة إلى شرب الماء باستمرار، واختيار أنشطة داخلية أو أماكن مظللة قدر الإمكان».واختتم د. الظواهري قوله بتأكيد أن «التدخل المبكر مفتاح النجاة. فإذا ظهرت على الطفل أي من علامات ضربة الشمس، يجب نقله فوراً إلى مكان بارد، وتخفيف ملابسه، وتبريد جسده، ومن ثم التواصل مع الطوارئ دون تردد. لا مجال للتأخير عندما يتعلق الأمر بصحة الأطفال».