يبدو من غير الممكن قياس نبض أو تنفس شخص ما عن بُعد، خاصة إذا كان من كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة، وذلك لأن أدوات المراقبة التقليدية كالساعات الذكية وأجهزة قياس التأكسج تتطلب ملامسة مباشرة للجسم. غير أن التطورات الحديثة في تكنولوجيا الرادار، عند دمجها بالذكاء الاصطناعي، فتحت آفاقاً جديدة لمراقبة العلامات الحيوية بدقة، دون الحاجة لأي اتصال جسدي.يُعرف الرادار باستخدامه في مجالات مثل تتبع سرعة المركبات، والتنبؤات الجوية، والملاحة الجوية والبحرية. وتعتمد آلية عمله على إرسال موجات كهرومغناطيسية تسير بسرعة الضوء، وترتد عند اصطدامها بالأجسام، ليقوم بتحليلها عند عودتها واستخلاص خصائص الجسم المستهدَف.وفي المجال الصحي، يستطيع الرادار التقاط الحركات الطفيفة للغاية التي تُحدثها ضربات القلب أو التنفس في منطقة الصدر وهي حركات لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة. وتسمح هذه الدقة العالية بتتبع الوظائف الحيوية حتى من مسافة بعيدة داخل الغرفة.صحيح أن هناك تقنيات قائمة على الكاميرات الحرارية أو الرؤية الحاسوبية يمكنها تتبع التغيرات الجلدية أو أنماط التنفس، لكنها تواجه تحديات كبيرة، منها ضعف الأداء في ظروف الإضاءة المنخفضة، أو فشلها في الكشف عن الإشارات الحيوية إذا كان الشخص مغطى ببطانية أو يرتدي ملابس سميكة. كما أن فعالية الكاميرات قد تتأثر بلون البشرة، وتُثير مخاوف جدية تتعلق بالخصوصية، خاصة عند استخدام الكاميرات عالية الدقة لفترات طويلة.في المقابل، يتميز الرادار بإمكانية اختراقه للأقمشة وحتى الجدران، مما يجعله أكثر مرونة في ظروف الاستخدام اليومي. كما أن الصور التي يولدها منخفضة الدقة، ولا تحتوي على تفاصيل كافية للتعرف على هوية الأشخاص، ما يضمن خصوصية المستخدم. ويُعد استخدامه آمناً للغاية، إذ يعمل بترددات وطاقة مماثلة لتلك الخاصة بالهواتف المحمولة.التحدي الحقيقي رغم كل هذه المزايا، يواجه الرادار تحدياً تقنياً أساسياً، وهو قدرته على التقاط جميع الحركات في محيطه، سواء كانت ناتجة عن نبض الصدر أو حركة الرأس والأطراف أو حتى حركة أشخاص آخرين قريبين. هذا الكم من البيانات يُصعب على الخوارزميات التقليدية تمييز العلامات الحيوية بدقة.للتغلب على هذا التحدي، طور الباحثون نظاماً ذكياً أطلقوا عليه اسم«mm-MuRe»، وهو عبارة عن شبكة عصبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي تتعلم من الإشارات الأولية الصادرة من الرادار، وتقوم تلقائياً بعزل الضوضاء واستخلاص الحركات الدقيقة المرتبطة بالتنفس أو النبض. ويُعرف هذا الأسلوب باسم «التعلم الشامل»، حيث لا يحتاج النظام إلى تعليمات محددة، بل يتعلم ذاتياً كيفية التركيز على البيانات المهمة.مستقبل صحي ذكي أظهرت النتائج أن هذا الدمج بين الرادار والذكاء الاصطناعي لا يُعزز دقة القياسات فحسب، بل يُسرع معالجتها أيضاً. ويستطيع النظام مراقبة عدة أشخاص في وقت واحد، مع التأقلم مع سيناريوهات غير متوقعة، مثل اختلاف أماكن الجلوس أو أوضاع الجسم أو حتى تحركات الأشخاص في أماكن ضيقة مثل السيارات.وتمثل هذه التقنية ثورة في عالم الرعاية الصحية، لا سيما في البيئات التي تتطلب مراقبة مستمرة مثل دور رعاية المسنين، أو خلال مراحل التعافي من العمليات الجراحية. فبدلاً من استخدام أجهزة معقدة وأسلاك مربكة، يمكن للمرضى العيش براحة، بينما يتكفل النظام بمراقبة تنفسهم أو التنبيه في حال السقوط أو حدوث أي طارئ. مع تسارع وتيرة اعتماد هذه التكنولوجيا، قد يصبح مراقبة صحتك أمراً تلقائياً يحدث دون أن تشعر كل ما عليك فعله هو الوجود داخل الغرفة، فيما تتولى موجات الرادار وذكاء اصطناعي صامت العناية بصحتك بدقة وأمان.