الشارقة: أحمد صالح
«أبولو 16» رحلة قامت بها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في إطار برنامج «أبولو» لإرسال رواد فضاء أمريكيين للهبوط على القمر وكانت البعثة الخامسة التي تتم بنجاح وتكوَّن عدد رواد الفضاء الذين قاموا بالرحلة -مثل الرحلات التي سبقتها- من 3 رواد يهبط منهم اثنان على سطح القمر بـ مركبة الهبوط على القمر بينما يبقى ثالثهم في المركبة الرئيسية التي تدور في مدار حول القمر على ارتفاع 110 كيلومترات إلى حين أن ينهي الرائدان المهمة الموكلة لهما لإنجازها على سطح القمر، عندئذ يصعد الرائدان بالمركبة القمرية وهي مزودة بصاروخ للقاء زميلهم والاشتباك والالتحام مع مركبة الفضاء الرئيسية ويعود الرواد الثلاثة إلى الأرض.
بدأت رحلة أبولو في 16 أبريل 1972 وانتهت بنجاح يوم 27 أبريل 1972. اصطحب رواد الفضاء عربة قمرية (بالإنجليزية: Lunar Rover) معهم لمساعدتهم على التجول على القمر وعادوا بـ94.7 كيلوجرام من صخور وتربة القمر، اتسمت رحلتهم بثلاثة جولات على سطح القمر لجمع العينات القمرية ونصب أجهزة علمية استغرقت 7 ساعات، كما قام كين ماتينجلي بالسباحة في الفضاء لمدة 1.40 ساعة أثناء رحلة العودة إلى الأرض على بعد نحو 200.000 كيلومتر من الأرض.
طاقم أبولو 16
بعد فترة قصيرة من انتهاء رحلة أبولو 14، أعلنت ناسا في 3 مارس 1971 أسماء رواد الفضاء المختارين للقيام برحلة أبولو 16. واختير رائد الفضاء المخضرم جون يونغ لقيادة الطاقم وكان حتى ذلك الوقت قد قام برحلتين إلى الفضاء في إطار برنامج جيميني، وأحد أفراد طاقم رحلة أبولو 10 إلى القمر واختير كين ماتينجلي قبطاناً لمركبة الفضاء الرئيسية وكان ماتينجلي قد عُين ضمن طاقم أبولو 13 إلا أنه لم يشترك فيها بسبب مرضه وعينت ناسا شارلز ديوك كقبطان للمركبة القمرية.
وحدث أن قلص الكونغرس الأمريكي ميزانية برنامج أبولو للمرة الثانية وبعدما كان مقرراً إرسال بعثات إلى القمر حتى البعثة 20 أصبحت رحلة أبولو 17 هي الرحلة الأخيرة، لهذا فلم تختر ناسا رواد فضاء شباناً للطاقم الاحتياطي وإنما عينت لذلك رواد فضاء من القدامي ذوي الخبرة.
وسميت مركبة أبولو للفضاء ورقم تصنيعها CSM-113 كاسبر وهو اسم مسلسل تلفزيوني فكاهي كان يُعرض عام 1970 في الولايات المتحدة، كما أطلق اسم أوريون على المركبة القمرية Lunar module وكان رقم تصنيعها LM-11.
الإقلاع ورحلة الذهاب
أقلعت رحلة أبولو 16 يوم 16 أبريل 1972 في تمام الساعة 17:54 حسب التوقيت العالمي المنسق UT من مركز كينيدي للفضاء بفلوريدا وبعد ثلاثة أيام من بدء الرحلة حدث عطل في نظام التوجيه واضطر رواد الفضاء لاستخدام جهاز يدوي (سيكستانت) لتعيين مكانهم ومسارهم في الفضاء في طريقهم إلى القمر، ثم حدث عطل آخر في إشعال صاروخ المركبة الرئيسية «كاسبر» وذلك بعد انفصال المركبة القمرية أوريون في مدار حول القمر ولما علمت هيوستن بهذا العطل قام المهندسون في هيوستن بسلسلة اختبارات على نظام المحاكاة لمركبة الفضاء، واتضح لهم أن نظام عمل الصاروخ يحتوي على نظام إضافي لضمان الإشعال، بحيث لو تعطل أحدهما قام الآخر بالإشعال، فابلغوا على الفور رواد الفضاء باستطاعتهم تشغيل الاشعال باستخدام مفاتيح النظام الثاني وبذلك أمكن استمرار الرحلة على حسب الخطة الموضوعة.
فوق سطح القمر
كان هدف البعثة هي أعالي منطقة تسمى كايلاي بالقرب من أحد الفوهات الكبيرة تسمى فوهة ديكارت ونظراً لما واجه رواد الفضاء من أعطال في مدار القمر، فقد تأخر نزولهم إلى تلك المنطقة الجبلية المختارة مدة 5 ساعات و45 دقيقة ولم يستطع لأول مرة التلفزيون على الأرض إذاعة إرسال مباشر من على سطح القمر بسبب تعطل جهاز الإرسال في المركبة القمرية ولكن بعد قيام رائدي الفضاء جون يونغ وشارلز ديوك بتركيب الكاميرا التلفزيونية الخاصة بالعربة القمريةLunar Rover استطاع المشاهد على الأرض متابعة الإرسال التلفزيوني من القمر وما يقوم به الرواد من عمل وقد احتوى البرنامج العلمي لرواد الفضاء تركيب أجهزة للقياس على سطح القمر يمدها مصدر كهربائي صغير يعمل بالطاقة النووية. وتسمى مجموعة الأجهزة هذه «أجهزة اختبارات أبولو لسطح القمر» واختصارها تجارب (ALSEP).
لأول مرة، ثبتت كاميرا لقياس الأشعة فوق البنفسجية الناشئة عن النجوم وقد اُحضر الفيلم إلى الأرض لتحليل ما سجله من قياسات.
وقام رائدا الفضاء جون يونغ وشالز ديوك بثلاثة جولات على سطح القمر استخدموا فيها العربة القمرية وبالمقارنة بالصعوبة التي واجهتها بعثة أبولو 14 في استعمال العربة القمرية، فقد كان استخدام العربة القمرية المخصصة لأبولو 16 سهلاً وسجلوا بها رقماً قياسياً للسرعة على سطح القمر.
النتائج العلمية من البعثة
أمضى جون يونغ وشالز ديوك ثلاثة أيام في إجراء اكتشافات لأعالى منطقة ديكارت، خلال هذا الوقت كان زميلهما كين ماتينجلي يدور فوقهم في مدار حول القمر يبلغ ارتفاعه نحو 110 كيلومترات وكانت هذه هي البعثة الوحيدة من بين 6 بعثات التي أجراها برنامج أبولو في المناطقة الجبلية على سطح القمر واكتشف الرائدان يونج وديوك خطأ الاعتقاد الذي كان سائداً في أوساط الجيولوجيين بأن تلك الجبال قد تكونت بفعل البراكين وإنما الظواهر تدل على أن تلك الجبال نشأت بفعل سقوط الشهب والنيازك على القمر، فقد كانت الصخور التي جمعوها من نوع البريكيا وكان من ضمن الصخور التي جمعوها صخرة تزن نحو 11 كيلوجراماً (على الأرض) وهي أكبر صخرة عادت بها بعثات أبولو وأثرت نتائج أبولو 16 على تفكير الجيولوجيين الذين يختصون بدراسة جيولوجيا الكواكب، وحثتهم على إعادة النظر بالنسبة لتفسيرهم وجود الأعالي على سطح القمر، وأن تشكيل تضاريس القمر يرجع بصفة أساسية إلى سقوط النيازك الكبيرة والصغيرة عليه.
كذلك كان استخدام العربة القمرية للحركة على سطح القمر نجاحاً كبيراً، فقد تمكن جون يونغ وشالز ديوك قطع مسافات كبيرة تصل إلى 3 أميال من المركبة القمرية، وبلغت سرعتهم بالعربة على سطح القمر 11 ميلاً/ساعات وهو رقم قياسي بالنسبة إلى سرعة أي عربة قمرية سارت على القمر وسُجل هذا الرقم في كتاب الأرقام القياسية العالمي.
بالإضافة إلى ذلك فقد قام الرائدان جون يونغ وشالز ديوك بإنشاء وتركيب عدة أجهزة للتجارب العلمية التي ترسل بنتائجها مباشرة إلى الأرض للتعرف إلى طبيعة القمر وما يسقط عليه من أشعة الشمس، حيث إن الغلاف الجوي للأرض يغير من تلك الأشعة، كما أن وجود مغناطيسية الأرض تحجب عنا كثيراً من الجسيمات الأولية الصادرة عن الشمس ويشكل سطح القمر مختبراً مثالياً لدراسة تلك الجسيمات.
العودة
بعدما انتقل يونغ وديوك من المركبة القمرة إلى المركبة الرئيسية كان على الرواد أن يقوموا بفك المركبة القمرية والتحكم فيها بحيث تسقط سقوطاً محسوباً على سطح القمر ولكن بعد قيامهم بفك المركبة القمرية وجدوها تتأرجح بشدة ولذلك لم يقوموا بإشعال صاروخ المركبة القمرية أوريون مما جعلها تستمر في الدوران وحدها في مدار حول القمر لمدة عام.
وقبل مغادرتهم مدار القمر قاموا بإطلاق قمر صناعي كان مخزناً في وحدة الخدمة. وهو من نوع القمر الصناعي الذي تركته رحلة أبولو 15 في مدار حول القمر ومهمة هذا القمر الصناعي هو قياس المجال المغناطيسي للقمر بالإضافة إلى قياس الرياح الشمسية بالقرب من القمر ومدى تأثيرها على المجال المغناطيسي للقمر، إلى أن ينتهى بالسقوط على القمر ويتحطم.
وسارت رحلة العودة إلى الأرض بدون صعوبة، في مدار القمر من الناحية الخلفية وقبل ظهورهم بـ8 دقائق بجانب القمر أشعل ماتينجلي الصاروخ الرئيسي لوحدة الخدمات لكي يكتسبوا سرعة تمكنهم من مغادرة القمر ويصبحوا في طريقهم إلى الأرض وبعد نحو 3 ساعات كان على قبطان المركبة الرئيسية كين ماتينجلي الخروج وإجراء سباحة في الفضاء ممسكاً بوحدة الخدمة لاسترجاع حافظتي أفلام منها سُجلت عليها بعض النتائج العلمية. ولبس ماتينجلى زي الفضاء المحكم وخرج من كبسولة الفضاء لأداء هذه المهمة. وكانت مشاعره غامرة عندما نظر يميناً فرأى القمر على بعد 50.000 ميل، ثم ينظر يساراً فيرى الأرض على بعد 180.000 ميل تظهر له كهلال كبير في سماء سوداء وهو سابحٌ في فضاء لا نهائي، وأثناء هذه الجولة وصلت صورته التلفزيونية إلى القاعدة في هيوستن وحيّا خلالها ماتينجلي أفراد أسرته وهو على بعد 180.000 ميل من الأرض واستغرقت تلك العملية من ماتينجلي ساعات و24 دقيقة خارج كبسولة الفضاء.
وقبل وصول رواد الفضاء إلى الأرض قام ماتينجلي بالضغط على أحد الأزرار لكي يفصل وحدة الخدمة، فقد أدت وجباتها على أحسن وجه ولم تكن هناك حاجة لها بعد ذلك (وهي تزن نحو 20 طناً) وبذلك انفصلت وسقطت وتحطمت على هيئة نيازك وشهب تحت تأثير احتكاكها الشديد بالغلاف الجوي للأرض وتسقط في المحيط الهادي.
وفي 27 أبريل 1972، هبطت كبسولة القيادة لأبولو 16 برواد الفضاء في المحيط الهادي والتقطتهم السفينة الحربية الأمريكية «تيكوندروجا»
وأحضر رواد الفضاء معهم 95.8 كيلوجرام من صخور القمر وتربته إلى الأرض. ويمكن مشاهدة إحدى تلك الصخور معروضة في متحف نوردلنج.
0 تعليق