تحلّ غداً الأحد الذكرى الـ48 على رحيل الفنان عبد الحليم حافظ، واسمه الحقيقي عبد الحليم شبانة الذي ولد في 21 يونيو/حزيران 1929 ورحل في 30 مارس/آذار 1977، ويعتبر من أهم المغنّين المصريين إلى جانب فريد الأطرش، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، ومحمد فوزي، وشادية، ونجاة الصغيرة. مع ازدياد شعبيته، أُطلق عليه لقب العندليب الأسمر، باع أكثر من 80 مليون أسطوانة موسيقية.
رحلة كفاح
ولد عبد الحليم علي إسماعيل شبانة في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية في محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعليا. توفيت والدته بعد ولادته بأيام، وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده، ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل، ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة. كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمّر حياته. وقال مرة، أجريت 61 عملية جراحية.
كان الابن الرابع وأكبر إخوته هو إسماعيل شبانة الذي كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية المصرية. التحق بعدما نضج قليلاً في كتاب الشيخ أحمد؛ ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلّى حبه للموسيقى حتى أصبح رئيساً لفرقة الأناشيد في مدرسته. ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به.
التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943. حين التقى مع الفنان كمال الطويل، كان عبد الحليم طالباً في قسم التلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معاً في المعهد حتى تخرّجهما عام 1948 ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج، لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيراً بالقاهرة. ثم قدّم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفاً على آلة الأوبوا عام 1950.
وتقابل مع مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر. اكتشف عبد الحليم شبانة الإذاعي حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه «حافظ» بدلاً من شبانة.
بداية الانطلاق
وفقاً لبعض المصادر فإن عبد الحليم أُجيز في الإذاعة بعد أن قدّم قصيدة «لقاء» كلمات صلاح عبد الصبور، ولحن كمال الطويل عام 1951، في حين ترى مصادر أخرى أن إجازته كانت في عام 1952 بعد أن قدّم أغنية «يا حلو يا أسمر» كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي، وعموماً فإن هناك اتفاقاً أنه غنّى (صافيني مرة) كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي في أغسطس/آب عام 1952 ورفضها الجماهير من أول وهلة؛ حيث لم يكن الناس على استعداد لتلقّي هذا النوع من الغناء الجديد.
ولكنه أعاد غناء «صافيني مرة» في يونيو/حزيران عام 1953، يوم إعلان الجمهورية المصرية وإلغاء الملكية، وحققت نجاحاً كبيراً، ثم قدّم أغنية «على قد الشوق» كلمات محمد علي أحمد، وألحان كمال الطويل في يوليو/تموز عام 1954، وحققت نجاحاً ساحقاً، ثم أعاد تقديمها في فيلم «لحن الوفاء» عام 1955، ومع تعاظم نجاحه لُقّب بالعندليب الأسمر.
أجيز في الإذاعة عام 1951 بعد تقديمه قصيدة «لقاء» من كلمات الشاعر صلاح عبد الصبور وألحان كمال الطويل، حتى بدء تصوير أول أفلامه «لحن الوفاء» عام 1955، ولم تكن أعراض مرض البلهارسيا قد تفاقمت لديه.
وقدّم في هذه الفترة عدداً كبيراً من الأغاني تحوي نبرة من التفاؤل مثل: «ذلك عيد الندى»، «أقبل الصباح»، «مركب الأحلام»، «في سكون الليل»، «فرحتنا يا هنانا»، «العيون بتناجيك»، «غني..غني»، «الليل أنوار وسمر»، «نسيم الفجرية»، «ريح دمعك»، «اصحى وقوم»، «الدنيا كلها».
كما تتحدث بعض هذه الأغاني عن الطبيعة الجميلة، مثل: «الأصيل الذهبي»، «هلّ الربيع»، «الأصيل». كما تتناول بعض الأغاني العاطفية ذكر الطبيعة الجميلة في إطار عشق الإنسان لكل ما هو جميل مثل «ربما»، «في سكون الليل»، «القرنفل»، «حبيبي ف عنيه»، «صحبة الورد»، «ربيع شاعر»، «الجدول»، «إنت إلهام جديد»، «هنا روض غرامنا»، «فات الربيع».
لكن مع تفاقم مرض البلهارسيا لديه بدءاً من عام 1956، نلاحظ أن نبرة التفاؤل بدأت تختفي من أغانيه تدريجياً، وتحلّ محلها نبرة الحزن في أغانيه.
استمرار التألق
تعاون مع الملحن العبقري محمد الموجي وكمال الطويل ثم بليغ حمدي، كما أن له أغاني شهيرة من ألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مثل: (أهواك، نبتدي منين الحكاية، فاتت جنبنا)، ثم أكمل الثنائي (حليم - بليغ) بالاشتراك مع الشاعر المصري المعروف محمد حمزة أفضل الأغاني العربية من أبرزها: (زي الهوا، سواح، حاول تفتكرني، أي دمعة حزن لا، موعود)، وغيرها من الأغاني.
وقد غنى للشاعر الكبير نزار قباني أغنية قارئة الفنجان، ورسالة من تحت الماء والتي لحّنها الموسيقار محمد الموجي.
بعد حرب 1967، غنى في حفلته التاريخية أمام 8 آلاف شخص في قاعة ألبرت هول في لندن لصالح المجهود الحربى لإزالة آثار العدوان.
كان عبد الحليم يحلم بتقديم قصة «لا» للكاتب الكبير مصطفى أمين على شاشة السينما، ورشح نجلاء فتحي لبطولتها، ولكن القدر لم يمهله. قدم 3 برامج غنائية هي: «فتاة النيل» للشاعر أحمد مخيمر وألحان محمد الموجي وإخراج كامل يوسف، و«معروف الإسكافي» للشاعر إبراهيم رجب وألحان عبد الحليم علي وإخراج عثمان أباظة، «وفاء» للشاعر مصطفى عبد الرحمن وألحان حسين جنيد وإخراج إسماعيل عبد المجيد.
وقدّم عبد الحليم 230 أغنية، وقام مجدي العمروسي، صديق عبد الحليم حافظ، بجمع أغانيه في كتاب أطلق عليه «كراسة الحب والوطنية...السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ» تضمّنت أغلبية ما غنى عبد الحليم حافظ. وما يلي هو جزء من أغانيه.
التراث المجهول
رغم الشهرة الكبيرة التي يتمتع بها عبد الحليم حافظ، لكنّ هناك عدداً كبيراً من أغانيه لا يعرفها كثير من الناس، والسبب الحقيقي لهذا هو أن هذا الإنتاج الإذاعي لا يتم إذاعته، وهو مملوك للإذاعة المصرية مثل باقي إنتاجه، وهذا السبب نتج عنه شيء من الندرة، وتم الاعتقاد أنه تراث مجهول، ولكنه معلوم لكثير من المؤرخين والإذاعيين المصريين المخضرمين، وقد قدمت الإذاعة بعضاً منها من خلال برنامج منتهي الطرب مع ابراهيم حفني، وساعة طرب إعداد وإخراج سيد عبد العزيز علي موجات إذاعة الأغاني، وإذا حسبنا عدد الأغاني التي قدّمها في الأفلام، سواء بالصوت والصورة أو بالصوت فقط، إضافة إلى الأغاني المصورة في التلفزيون، نجد أن عددها يمكن أن يصل إلى 112 أغنية تقريباً، وهذا العدد لا يكاد يشكل نصف عدد أغانيه البالغة حوالي 231 أغنية في المتوسط، كما أننا لم نأخذ في الحسبان الأغاني التي هي بحوزة بعض أصدقاء عبد الحليم، والتي هي غير متاحة للتداول التجاري.
العندليب في السينما
قدّم عبد الحليم حافظ في السينما 16 فيلماً سينمائيا هي:
لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، ليالي الحب، أيام وليالي، موعد غرام، دليلة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، فتى أحلامي، شارع الحب، حكاية حب، البنات والصيف، يوم من عمري، الخطايا، معبودة الجماهير، وأبي فوق الشجرة.
ظهر بصوته فقط مغنياً في أفلام: بعد الوداع، بائعة الخبز، فجر، وأدهم الشرقاوي. كما ظهر ضيفاً للشرف في فيلمين هما إسماعيل ياسين في البوليس الحربي، وقاضي الغرام.
قام عبد الحليم ببطولة المسلسل الإذاعي «أرجوك لا تفهمني بسرعة» سنة 1973، وهو المسلسل الوحيد الذي شارك فيه عبد الحليم كبطل للحلقات، وذلك برفقة نجلاء فتحي وعادل إمام، قصة محمود عوض وإخراج محمد علوان.
مرضه ووفاته
أصيب العندليب الأسمر بتليّف في الكبد سببه مرض البلهارسيا، وكان هذا التليف سبباً في وفاته عام 1977، وكانت أول مرة عرف فيها العندليب الأسمر بهذا المرض عام 1956 عندما أصيب بأول نزيف في المعدة، وكان وقتها مدعواً على الإفطار بشهر رمضان لدى صديقه مصطفى العريف.
وتوفي يوم الأربعاء في 30 مارس / آذار 1977 في لندن عن عمر يناهز السابعة والأربعين عاماً، والسبب الأساسي في وفاته هو الدم الملوث الذي نقل إليه حاملاً معه التهاباً كبدياً فيروسياً (فيروس سي)، الذي تعذر علاجه مع وجود تليف في الكبد ناتج عن إصابته بداء البلهارسيا منذ الصغر.
0 تعليق