النقل النهري ..شرايين تنموية لتعزيز التجارة الداخلية والسياحة النيلية

أكد الخبراء  أن تطوير ٤٨ ميناءً نهريًا وإعادة تأهيل المجرى الملاحي يمكن أن يرفع مساهمة النقل النهري إلى ١٠% من حجم حركة النقل في مصر بحلول ٢٠٣٠، لكن ذلك يتطلب توحيد جهة الولاية على النيل لتسهيل الاستثمار، وتوفير خرائط إلكترونية دقيقة تعزز السلامة وتضمن كفاءة التشغيل.

وبينما تبرز الحاجة إلى تحقيق التكامل مع الموانئ البحرية والطرق البرية والسكك الحديدية لتيسير حركة السلع الاستراتيجية، يتجه الحديث أيضًا إلى حوافز ضريبية وإجراءات استثمارية أكثر مرونة لجذب المستثمرين. أما في الجانب السياحي، فثمة رؤية لإطلاق رحلات نيلية بين القاهرة وأسوان، بما يعزز مكانة مصر كمقصد عالمي يجمع بين عبق التاريخ وسحر الطبيعة.

وسيلة نقلة آمنة وأقل تكلفة
يري د. محمد شهاب نائب رئيس جامعة دمياط وأستاذ الاقتصاد بالجامعة أن أهمية النقل النهري تتمثل في كونه وسيلة منخفضة التكلفة وآمنة وصديقة للبيئة، وقادرة على نقل كميات ضخمة من البضائع خاصة الكبيرة وغير النمطية، كما أنه يخفف العبء على الطرق البرية مما يطيل عمرها ويقلل تكاليف صيانتها، ويمكن دمجه مع وسائل النقل الأخري لإنشاء شبكة لوجستية متكاملة، مما يعزز الاقتصاد الوطني ويدعم حركة التجارة والسياحة، وتزيد أهمية النقل النهري بالربط بينه وبين النقل البحري عن طريق توسيع الموانئ الواقعة على مصبات الأنهار، وكذلك إمكانية الربط بين النقل النهري والنقل البري من خلال إنشاء موانئ وتجهيزها وربطها بشبكة الطرق البرية، وبشكل يسهم في زيادة مرونة النقل النهري في عملية نقل البضائع وتسويقها، وبالتالي يقلل تكاليف النقل النهري مقارنة بالنقل البري.

أوضح أنه في فترة التسعينيات ومع تطور النقل البري بسبب عنصر الوقت الذي يمثل أهمية كبيرة في سوق النقل، أصبح النقل النهري وسيلة غير تنافسية، ولكن مع تفاقم المشاكل المرورية على الطرق وما يصاحبها من تأثيرات سلبية على البيئة، كان لابد من العودة مرة أخرى إلى إحياء وتنشيط قطاع النقل النهري وتفعيل دوره في نقل البضائع ويبلغ مجموع الطرق الملاحية بمصر التي يمكن استخدامها في النقل المائي الداخلي نحو ٣١٣٦ كيلو مترًا، وبمقارنة النقل النهري بمصر مع الدول الأجنبية، سوف يتضح لنا ضعف معدلات الاستفادة من هذه الوسيلة والتي لا تتجاوز ١% من إجمالي حركة نقل البضائع بينما يصل حجم النقل النهري في هولندا ٤٧% وفي ألمانيا تتراوح بين ١٨و٢٠ % مما يؤكد أن حجم تداول البضائع بالحاويات علي مجري نهر النيل في مصر ما زال ومن هنا يجب على الدولة توحيد جهة الولاية على نهر النيل لتسهيل إجراءات الاستثمار.

أضاف د.شهاب إلى إنشاء شبكة من الموانئ النهرية قادرة على استقبال وشحن مختلف أنواع البضائع والحاويات وتوزيعها عبر المحافظات بالإضافة لتطوير الأهوسة وتقليل زمن العبور وتشغيلها على مدار ٢٤ ساعة وتوفير خرائط إلكترونية دقيقة وتحديد المسارات الآمنة ما يعزز من السلامة وكفاءة التشغيل.

تعزيز التجارة الداخلية
أكد د. رشدي فتحي رئيس قسم الاقتصاد بجامعة دمياط أن النقل النهري يعد وسيلة استراتيجية لتعزيز التجارة الداخلية وخفض التكاليف وتحقيق الكفاءة وتقليل الانبعاثات البيئية وتعزيز حركة السياحة وتخفيف الضغط عن شبكة الطرق البرية ويحقق أهداف التنمية المستدامة الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر، حيث يعد النقل النهري من أقل وسائل النقل تكلفة، ويمكن للوحدة النهرية أن تحل محل عشرات الشاحنات مما يقلل تكاليف النقل بشكل كبير مقارنة بالبرية ومن ثم ترشيد استهلاك السولار بنسبة ٦٤% مع تقليل كثافة التحرك علي الطرق والكباري للحفاظ عليها وتقليل تكاليف الصيانة إلي جانب تقليل الحوادث وخفض التلوث البيئي.

أشار د.فتحي إلى أن الوحدات النهرية تصنع في مصر بمكون محلي ٨٠% مما يقلل الاستيراد، يسهم النقل النهري في خفض انبعاثات الكربون والتلوث الهوائي ويقلل من التلوث البصري والسمعي، مما يدعم توجه مصر نحو النقل الأخضر ويسهم النقل النهري في تحقيق التكامل مع الموانئ البحرية الرئيسية مثل ميناءي الإسكندرية ودمياط، مما يسهل عملية نقل البضائع من وإلى الوحدات البحرية.

مستهدفات تنموية
أضاف إن الحكومة وضعت منذ ٢٠١٥م أمامها هدفاً استراتيچيا واضحاً هو نسبة النقل النهري إلي حدود ١٠% من إجمالي عمليات النقل الداخلي بالبلاد، ومن ثم تم إعادة صياغة قانون النقل النهري الداخلي، وذلك لتلاقي عيوب القانون القديم والتوافق مع المتطلبات الحديثة لصناعة النقل النهري في مصر، وتم إعداد خطط شاملة لتطوير المجري الملاحي ومتفرعاته الملاحية، ومنح حوافز وإعفاءات ضريبية للمستثمرين في مجال منظومة النقل النهري، بالإضافة إلى إعطاء الأولوية لنقل السلع الاستراتيجية بين الموانئ البحرية والمحافظات النيلية بما يضمن التشغيل الدائم، وتخصيص أو طرح الموانئ النهرية اللازمة للمستثمرين الجادين لتحفيزهم بما يضمن تحقيق اقتصاديات النقل والتشغيل مع الاستغلال الأمثل للموانئ النهرية علي طول مجري نهر النيل وتفعيل منظومة الشباك الواحد.

أوضح أن مجموعة موانئ أبو ظبي الإماراتية تعتزم ضخ استثمارات بقيمة ٥٠٠ مليون يورو لتطوير قطاع النقل النهري بمصر في عمليات إنشاء محطات الوقود لتموين البارجات، بالإضافة إلى بناء الوحدات النهرية وتطوير الاتوبيس النهري وإدخال مشروع الاتوبيس البرمائي لأول مرة بمصر، ومن أهم التحديات التي تواجه قطاع النقل النهري، تقادم الأسطول النهري ونقص الدراسات والخطط المتكاملة وتدني كفاءة الموارد البشرية والقصور في البنية التحتية اللازمة للقطاع.

أقدم وسيلة نقل
أكد د. محمد راشد أستاذ الاقتصاد بجامعة بني سويف أن النقل النهري يعتبر واحداً من أقدم وأهم وسائل النقل في مصر حيث ارتبط نهر النيل عبر التاريخ بحركة التجارة ونقل البضائع والركاب وكان شريانا أساسياً للحياة والاقتصاد ومع التطورات الحديثة والتحديات المرتبطة بإزدياد الكثافة المرورية على الطرق البرية، وارتفاع تكلفة النقل أولت الدولة المصرية اهتماماً كبيراً بإعادة إحياء وتطوير منظومة النقل النهري بما يواكب متطلبات التنمية المستدامة، فقد قامت وزارة النقل وهيئة النقل النهري بتنفيذ عدد من المشروعات لتطوير المجري الملاحي لنهر النيل وفروعه من خلال تعميق وتطهير نهر النيل لضمان صلاحيته للملاحة علي مدار العام فضلاً عن إزالة العوائق الملاحية وتطوير الأهوسة والكباري لرفع كفاءة العبور بجانب إنشاء مراسي نهرية حديثة لخدمة المراكب وزيادة القدرة الاستيعابية.

منظومة متكاملة
قال إن الدولة تسعي لخلق منظومة نقل متكاملة بزيادة الاعتماد على النقل النهري في نقل البضائع نظراً لانخفاض تكلفته مقارنة بالنقل البري حيث تم توقيع بروتوكولات تعاون مع شركات القطاع الخاص لزيادة حجم المنقولات والشحنات عبر النهر من خلال إنشاء موانئ نهرية ولوجستية في مواقع استراتيجية مثل دمياط والإسكندرية والصعيد، فضلاً عن ربط النقل النهري بشبكات الطرق البرية والسكك الحديدية لتشكيل منظومة نقل متكاملة، ولقد تمت الاستعانة بالتقنيات الحديثة والتحول الرقمية من أجل تحسين كفاءة التشغيل ومتابعة الحركة الملاحية من خلال تطبيق أنظمة حديثة مثل استخدام أنظمة التتبع (GPS) لمراقبة السفن وحركة البضائع، وكذلك تطوير قواعد البيانات الخاصة بالمجري الملاحي وربطها بغرف تحكم مركزية مما ينعكس على تعزيز معايير السلامة والأمان في النقل النهري.

رحلات سياحيه نيلية
يري أن النقل يعد صديقا للبيئة نظراً لقلة الانبعاثات الكربونية مقارنة بالنقل البري، لذا فإن خطط تطوير المنظومة تساهم في تقليل الضغط على الطرق البرية وتقليل معدلات الحوادث وكذلك خفض استهلاك الوقود والانبعاثات الكربونية الضارة مما يدعم أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر ٢٠٣٠ م، كما لم تغفل الدولة جانب السياحة حيث شهدت السنوات الأخيرة تطوير البواخر والفنادق العائمة إلي جانب الاهتمام بتنظيم رحلات سياحيه نيلية تربط القاهرة بالأقصر وأسوان ما يعزز مكانة مصر كمقصد سياحي عالمي، وبالتالي فإن جهود مصر في تطوير منظومة النقل النهري تأتي في إطار رؤية شاملة لتخفيف الضغط على الطرق وخفض تكاليف النقل وتحقيق التكامل بين مختلف وسائل النقل، وبالاستمرار في تنفيذ هذه المشروعات سيعود نهر النيل إلي دوره المحورى كأحد أهم شرايين التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر.

تحديث الموانئ النهرية
يقول د. ياسر شحاتة أستاذ إدارة الموارد البشرية والتنمية المستدامة ورئيس قسم ادارة الأعمال بكلية الاقتصاد والإدارة جامعة ٦ أكتوبر إنه مع توجه الدولة المصرية للتنمية المستدامة ظهرت أهمية النقل النهري والحاجة إليه، حيث بدأت الدولة في إعادة صياغة هذا النوع من النقل كأحد الروافد الهامة لمنظومة النقل، لقد تم الاعتماد على النقل النهري في نقل السلع الثقيلة الأمر الذي ساعد في تقليل الضغط على الطرق البرية، ولكي يتم تحويل هذا النوع من النقل إلي ركيزة أساسية في الاقتصاد حرصت الدولة علي تحديث الموانئ النهرية وربط النقل النهري بالطرق والسكك الحديدية وتحقيق التكامل بين جميع وسائل النقل.

أوضح أنه من أهم المشروعات الجارية لتطوير النقل النهري هي مشروع إنشاء منظومة ربط لوجستية بين النقل النهري والسكك الحديدية وتطوير الموانئ والتركيز على تعميق مجري النيل بهدف تحسين الملاحة، إن قطاع النقل النهري يسهم في دعم السياحة النيلية معتمداً في ذلك علي النيل كعنصر سياحي جاذب وهذا يمثل في حد ذاته قيمة مضافة للاقتصاد ولصناعة السياحة، ولاشك أن للقطاع الخاص دوراً محورياً في هذه النوعية من المشروعات فهو شريك أصيل في التنمية ويظهر جليا في دخوله في شراكات مع الدولة لتمويل المشروعات الكبرى للنقل النهري والاستثمار في الخدمات اللوجستية، وبالتأكيد أن هناك بعض التحديات لعل أهمها ارتفاع تكلفة التطوير والتحديات البيئية المرتبطة بالتغيرات المناخية.

تطوير ٤٨ ميناءً نهريًّا
أكد د.طاهر عبد الكريم الخبير الاقتصادي أن مصر شهدت في السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في قطاع النقل والطرق والسكك الحديدية ما جعلها قبلة للاستثمارات ومركزاً إقليمياً للبنية التحتية الحديثة وفي قلب هذه التطورات يبرز النقل النهري كأحد الملفات الحيوية التي تعيد الدولة الاهتمام بها ليس فقط كوسيلة للتنقل، بل كرافد اقتصادي مهم يعزز التجارة الداخلية ويساهم في تنشيط السياحة النيلية، يمتد مجري النيل الصالح للملاحة لأكثر من ٣٥٠٠ كيلو متر لكن مساهمته الحالية في حركة البضائع لا تتعدي ١% رغم أن إمكاناته تؤهله لتقديم خدمات نقل فعالة واقتصادية، وتعمل وزارة النقل علي إعادة تأهيل المجري الملاحي وتطوير ٤٨ ميناء نهريا، وربطها بالطرق والسكك الحديدية لتوفير منظومة نقل متكاملة وهو ما يمكن أن يرفع مساهمة النقل النهري إلي ١٠% بحلول ٢٠٣٠ حسب خبراء النقل.

أشار إلى أن النقل النهري قادر على خفض تكاليف الشحن بما يصل إلى ٣٠% مقارنة بالنقل البري ما ينعكس مباشرة على الأسعار ويزيد من قدرة الاقتصاد على المنافسة إلي جانب الجدوي الاقتصادية يمتاز النقل النهري بكونه صديقا للبيئة؛ إذ يقلل من استهلاك الوقود بنسبة ٤٠% ويخفض الانبعاثات الضارة، كما يسهم في تخفيف الضغط على الطرق البرية التي تنقل أكثر من ٩٠% من البضائع ما يقلل الحوادث ويحافظ على الشبكة المرورية المكلفة.

أما على صعيد السياحة فإحياء الرحلات النيلية بين المدن سيعيد للنيل مكانته ودوره كأحد أعمدة السياحة المصرية، ومع الانتهاء من المشروعات الكبري وفتح المجال أمام القطاع الخاص يبدو النقل النهري جاهزاً ليصبح ركيزة أساسية في الاقتصاد المصري داعماً للتجارة الداخلية والسياحة النيلية، ومرسخا أهداف رؤية مصر ٢٠٣٠ نحو التنمية المستدامة.

شريان حياة
أشار د.أحمد سمير الخبير الاقتصادي إلي أن نهر النيل يعتبر شريان الحياة لمصر ويلعب دورا هاماً في الاقتصاد المصري وتبذل الحكومة المصرية جهوداً لتطوير منظومة النقل النهري لتحسين كفاءتها وتقليل التكاليف، حيث يعتبر النقل النهري وسيلة منخفضة التكلفة مقارنة بالنقل البري أو الجوي كما يعتبر النقل النهري صديقا للبيئة مقارنة بوسائل النقل الأخرى، ويمكن للنقل النهري أن يسهم في تعزيز التجارة الداخلية من خلال نقل البضائع بطرق فعالة وعليه تحتاج البنية التحتية للنقل النهري إلي تطوير لتحقيق الكفاءة المطلوبة ويستوجب تشجيع الاستثمار في قطاع النقل النهري لتعزيز كفاءته، وتحتاج العمالة في قطاع النقل النهري إلي تدريب لتحسين قدراتها الذاتية..

أضاف إن القطاع الخاص يمكنه أن يسهم في تطوير خدمات النقل النهري عبر تشغيل وصيانة مرافقه في بعض المشروعات وهناك خطط لتطوير الموانئ النهرية لتحسين كفاءتها، ولتحسين وسائل النقل عموماً يتم العمل على تحسين وسائل النقل النهري لزيادة كفاءة التشغيل داخل تلك المنظومة التي يمكنها أن تسهم في دعم السياحة النيلية وتنشيط السياحة الداخلية النيلية من خلال توفير وسائل نقل سياحية في مجرى النيل.

أضاف إن النقل النهري يعزز التجربة السياحية علي النيل من خلال توفير رحلات نيلية والعقبات المحتملة التي تواجه أحياء تشغيل المرفق أهمها البنية التحتية حيث تحتاج البنية التحتية للنقل النهري إلي تطوير لتحقيق الكفاءة المطلوبة، وهناك تحديات لوجستية تتعلق بالتخزين والتحميل والتفريغ ويرتبط النقل النهري بأجندة التنمية المستدامة للدولة رؤية مصر ٢٠٣٠ م وفرصة لفتح ملف طال إهماله لعقود طويلة.

يمكنك مشاركة الخبر علي صفحات التواصل