اليوم الجديد

حرب ضد شرع الله

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حرب ضد شرع الله, اليوم الخميس 24 أبريل 2025 02:50 مساءً

مثلما خرج علينا منذ أيام د. سعد الدين الهلالي أستاذ الفقة المقارن بجامعة الأزهر والذي طالب بنقاش مجتمعي يؤيد المساواة في الميراث بين الجنسين، معتبرًا أنه صحيح فقهيًا ولا يتعارض مع كلام الله.. مشيرا إلي أن الميراث مسألة حقوق، وليست واجبات مثل الصلاة والصوم، وأن الفقيه عليه أن يعدل فتاواه مع تطور الزمن.. كما أوضح الهلالي أن الميراث هو قرار شعبي وأهلي وليس قرارًا دينيًا أو سياديًا من أوصياء الدين، داعيًا إلي إعادة النظر في بعض المفاهيم التقليدية التي قد لا تتماشي مع تطورات العصر.

السؤال هنا.. كيف يمكن التصدي لمثل هذه الآراء التي تثير البلبلة في المجتمع وما الضوابط التي ينبغي تطبيقها للحد من إطلاق العنان لكل من هب ودب ليلقي بأفكاره التي تشكك المسلمين في أمور دينهم ودنياهم؟.

يقول الدكتور محمد الشحات الجندي أمين عام المجلس الأعلي للشئون الإسلامية الأسبق: إن التشكيك في ثوابت الإسلام وحقائقه العليا يتنافي مع أصول الاجتهاد العلمي الصحيح وضوابط ممارسة الحرية الفكرية التي ينبغي أن تمارس علي أسس موضوعية وليس علي مقولات يبغي بها قائلها الإبداع والتعبير عن أفكار لم يسبقه أحد إليها وهذا المسلك يمثل انحرافا عن مناهج التفكير الصحيح ويتجافي مع العدالة ومع ثوابت الدين والدليل علي ذلك أن البعض قد دأب في الآونة الأخيرة علي طرح آراء وإعلان أفكار تخالف المستقر والمعهود عند الجمهور الأعظم من المسلمين دون أن يكون علي قوله أو ممارسة حقه في التعبير سند قوي ولا دليل مستند إلي صحيح القرآن أو السنة.

وخطورة هذا المسلك أنه يتذرع بأن الإسلام لا يعرف الكهانة أو العصمة لشخص فيما عدا الرسول صلي الله عليه وسلم وأن من حق كل شخص أن يعلن رأيه ويجاهر باجتهاده في قضية من القضايا حتي لو كان ذلك علي حساب المقدس والثابت بأدلة لا شكوك حولها.. وإذا كان من الصحيح أن الإسلام قد حث المسلم علي الاجتهاد وطالب المسلمين بتجديد الدين وإحياء ما انطمس من شعائره وأحكامه وحقائقه بأدلة نذكر منها قول الرسول صلي الله عليه وسلم: "من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد".

أما بخصوص التجديد كما يشير د. الجندي أن هناك نصوصا واضحة وجلية في أن العقلية المسلمة هي عقلية تتمتع بأفق واسع وأنها لا ينبغي أن تكون جامدة علي الموروث ونقدس آراء لأشخاص يمكن أن تكون آراؤهم غير مبنية علي أدلة قوية وأسانيد قطعية فهذا وإن كان صحيحا في جملته إلا أن الأصح منه أنه لا يقدر علي ملكة الاجتهاد أو التجديد إلا من كان مؤهلا وقادرا علي فهم مقاصد الإسلام وثوابته الشرعية وأن يكون متمرسا بدراية وفهم القرآن فهما سديدا والعلم بالسنة المطهرة ناسخها ومنسوخها وعامها وخاصها وصحيحها وضعيفها وغير ذلك من الاشتراطات التي قل أن توجد لدي أقطاب الفكر الديني الأمر الذي لا ينبغي معه إطلاق العنان تحت راية التجديد وحماية المصلحة العامة لما يترتب علي ذلك من بلبلة وتشكيك لدي العامة والبسطاء.

أكد د. الجندي أنه يمكن لأصحاب مثل هذه الأفكار أن يبثوا آراءهم في طروحات متخصصة وأبحاث تتداول لدي الخاصة بدلا من إعلانها علي الكافة لإحداث البلبلة لديهم خاصة أن الأمة والشعوب الإسلامية تواجه هجمات شرسة وغزوا فكريا هائلا وحملات منظمة من الإساءات والتطاول علي مقدسات الإسلام ورموزه وحقائقه الأمر الذي لا يجعل من الملائم طرح مثل هذه الآراء حتي لو كان بعضها يمكن أن يحتوي علي آراء أكثر ملاءمة للعصر الذي نعيش فيه.

لماذا إثارة الفتن والجدل؟
تقول د. آمال عبد الغني أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة المنيا: لوجه الله تعالي.. إلي الله المشتكي.. جل جلال الله الملك الحق المبين القائل في محكم كتابه "ولله ميراث السموات والأرض" أتساءل لماذا إثارة الفتن والجدل حول نصوص قاطعة حاكمة لا تحتمل التأويل فيما شرعه الله تعالي؟.. ولماذا التعرض لثوابت شرعها الله لعباده وهو العليم الحكيم؟.. لماذا إثارة الخلاف بين العلماء والدعاة ونحن أحوج ما نكون إلي الاجتماع؟ ولمن تكون هذه الدعاوي الباطلة؟.

هل نحن في حاجة إلي التفكك الأسري أكثر مما نراه من ارتفاع نسب الطلاق وقطع أرحام وبذر دعاوي خلافية لا قيمة لها في المواريث؟.. وهل نحن في حاجة إلي تشرذم وتفرق ونحن أحوج ما نكون إلي الاجتماع؟.. لماذا.. ولمن.. وما هي جدوي التشكيك في الثوابت؟ حينما نتعدي حدود الله فماذا بعد؟.

لعلنا نعلم أنه من رحمة الله تعالي أن تشريع الميراث ورد بآيات محدودة ثلاث آيات تفصيلاً واجمالا خمس في سورة النساء فلم يدع مجالا للاجتهاد حتي لمن اصطفاهم من الأنبياء والمرسلين فلم يدعه لملك مقرب أو نبي مرسل.. قال تعالي: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدي مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدى وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةى فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةي يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْني آَبَاؤُكُمْ وَأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" "11: النساء".

أضافت د. آمال أن العلماء قالوا: "آثر اسمي الذكر والأنثي علي ما ذكر أولاً من الرجال والنساء وذلك للتنصيص علي استواء الكبار والصغار في الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا كما هو زعم الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال.. كذلك قطعا للأهواء في تقسيم الميراث فمن رحمة الله بالخلق أنه تولي تقديره بذاته حتي يكون أمراً ملزماً لا خيار فيه مبرما.. وكما قال العلماء أيضا حتي لا يكون مدخلاً لأصحاب الأهواء والنوايا الفاسدة، فما وجه تضعيف نصيب الذكر علي الأنثي" أليس هذا من الحيف؟ حاشا وكلا!.. كما نري للأسف الشديد من إثارة الخلاف في الآونة الأخيرة.

كما نعلم حاجة  الذكر إلي المؤنة والنفقة، وغيرها من الاستحقاقات وكم حصر العلماء هذه الحالات هي أربع حينما تستوي درجة القرابة إخوة وأخوات أو أبناء وبنات لأب وأم وحينما تختلف الدرجة وتسقط مسئولية الإنفاق فنجد المرأة مساوية للرجل بالنص القرآني الثابت في الإخوة والأخوات لأم وفي بعض الحالات تزيد عن الرجل وبعضها تحجب الرجل وهو عاصب ولسنا بصدد حصر هذا.. يقول أهل التفسير  من الدلائل علي رحمة الله في الآية للذكر مثل حظ الإنثيين فكأنما جعل سبحانه إرث الأنثي مقرراً معروفاً وأخبر بأن للذكور مثله مرتين، أو جعله الأصل في التشريع وجعل إرث الذكر محمولاً عليه، يؤخذ منه وهذا يدعو إلي الرحمة بالإناث وتقديمهن، وعدم الاغضاء عن حقوقهن ونصيبهن.. ومن العجائب التي يجب الأخذ بها في الاعتبار بأن الله تعالي ختم آيات المواريث بالحكمة والعلم قال تعالي: "إن الله كان عليما حكيما،" ويقول سبحانه وتعالي: "والله بكل شيء عليم" ذكر العلماء اقتران تقدير الميراث بالعلم والحكمة لبيان أن ما افترضه الله تعالي أمرا قاطعا مرده إلي الله تعالي فالفرائض صادرة من العليم سبحانه. والله يفرض ويقدر لأنه حكيم والبشر قد يحكمون بالهوي.. الله سبحانه وتعالي هو وحده العالم بمصالح العباد ولذا من يتعدي حدود الله فتوعده الله بالعذاب المهين -¢وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابى مُّهِينى) ¢14:النساء¢.. فهل بعد تشريع الحكيم العليم تشريع؟ ألا نتقي الله تعالي ونبحث عما ينفع الأمة لا ما يمس الدين والثوابت.. فما لنا إلا كتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيراً نهتدي بهم حتي لا نضل ولا نشقي.. اللهم رحمتك بالعباد.

حدود الله..خط أحمر
وفي تصريحات لعدد من العلماء أكد الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، أن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث إنكار للقرآن. مشيرا إلي أن الله قال: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، وأن إنكار المعلوم من الدين أمر خطير.

 أكد د. أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر علي عظمة التشريع الإسلامي الذي يجمع بين الثابت والمتغير.. موضحا أن الميراث من الثوابت التي وردت نصوص قطعية بشأنها في القرآن الكريم، خاصة في سورة النساء، وأنه لا يجوز لأحد التدخل فيها أو المطالبة بتعديلها، معقبًا: "هذه الموضوعات ليست موضوع للنقاش والمواريث ليست قرار شعب كما قال، لإنها ليست ماسورة صرف صحي يتم تركيبها في ميدان التحرير".. مشيرا إلي أن "الانتقاء والتدليس وصدمة الجمهور بالاستدلالات غير الصحيحة علي تحليل الحرام أو تحريم الحلال بغرض تطبيع المنكرات داخل المجتمع" جرائم فكرية ومعرفية ينبغي محاسبة مرتكبها والداعي إليها".

أضاف الدكتور عبد المنعم فؤاد. أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر. أن من يطالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث كأنما ينازع الله في ملكه. مؤكدًا أن الله عز وجل هو من قسم المواريث. وأن هذه الحدود لا يجوز تجاوزها.

ويقول الدكتور عبد الرحمن فوزي، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن آيات الميراث صريحة ولا تحتمل أي تأويل، وأنه لا يجوز تأويل نص قطعي الثبوت والدلالة.

الدكتور حذيفة المسير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وصف المساواة بين المرأة والرجل في الميراث بأنها حرب ضد شرع الله، مؤكدًا أن آيات المواريث في القرآن الكريم لا تحتمل الاجتهاد أو التأويل.

ورد الدكتور عطية لاشين، أستاذ الفقه وعضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف، قائلا إن هذا الكلام -في حقيقته- ليس إلا افتراءً وابتداعًا في الدين، ويطالب القائمين علي الأزهر الشريف بمحاكمته علميًا، وعرض أقواله علي العلماء الربانيين، حتي يضعوا حدًا لمثل هذه المزاعم التي تُلبّس علي العامة دينهم. أما تركه يعبث بالدين دون ردع. فذلك أمر مرفوض شرعًا وعقلًا وضميرًا.

وكان الأزهر الشريف قد أصدر بيانا وصف ما حدث بالجريمة الكبري التي تهدد الأمن الفكري وتغذي التطرف والانحراف السلوكي، مؤكدا أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي الضابط الحاكم لجميع مواد الدستور، منوها إلي أن هذا الطرح باطل يهدف إلي عزل الدين عن حياة الناس، ولفت إلي أن نصوص الميراث قطعية غير قابلة للاجتهاد ومناسبة لكل زمان ومكان.

أكد الأزهر الشريف أن نصوص الميراث في الشريعة الإسلامية قطعية الثبوت والدلالة، لا تقبل الاجتهاد أو التغيير، محذرًا من محاولات إعادة تشكيل الدين وفق رؤي شخصية تحت مسميات مثل "التدين الشخصي" أو "القانون الفردي"، معتبرًا إياها افتئاتًا علي الشرع وولي الأمر، وإعادة إنتاج للفكر التكفيري المنحرف.

وقال مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، في بيان رسمي، إن الشحن السلبي الممنهج تجاه الدين والتشكيك المتكرر في أحكامه، وربط الإشكالات المجتمعية بتعاليمه، جريمة كبري تهدد الأمن الفكري وتغذي التطرف والانحراف السلوكي.

وشدد الأزهر علي أن الاستدلال الخاطئ وتحريف النصوص بغرض تحليل الحرام أو تحريم الحلال، وتقديم ذلك للرأي العام، يُعد جريمة فكرية ومعرفية تستوجب المحاسبة، مشيرًا إلي أن تفسير "ولي الأمر" في القرآن الكريم بالشعب يمثل شذوذًا في الفهم، ويمثل دعوة للتجرؤ علي أحكام الدين ومنازعة السلطة التشريعية.

وأضاف البيان أن تشريعات القانون المصري مستمدة من أحكام الفقه الإسلامي، وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي الضابط الحاكم لجميع مواد الدستور، كما نصّت المادة الثانية منه، مؤكدًا أن اختلاق صراع بين الفقه والقانون هو ذريعة طالما استخدمها المتطرفون لتبرير العنف والتكفير واستباحة الدماء.

وحذّر الأزهر من الدعوة إلي "الفردانية" الدينية التي تُغري البعض بإنشاء قوانين شخصية وفق أهوائهم، معتبرًا ذلك فكرًا معوجًا يؤدي إلي فوضي تهدد استقرار المجتمع والدولة.

كما رفض المركز الادعاء بأن أحكام الشريعة لا تناسب العصر. مؤكدًا أن هذا الطرح باطل يهدف إلي عزل الدين عن حياة الناس، ويفتح باب الانحراف الفكري والتطرف.

وأوضح البيان أن علم المواريث في الإسلام علم دقيق ومحكم تولي الله عز وجل نفسه تقسيمه في القرآن، لأهمية العدالة فيه ومنع النزاعات، وأضاف أن نصوص الميراث قطعية غير قابلة للاجتهاد أو التعديل بإجماع الصحابة والعلماء، ومناسبة لكل زمان ومكان.

كما شدد علي أن تجديد الفكر الديني لا يتم عبر الشاشات أو من غير المتخصصين، بل هو حرفة دقيقة لا يُتقنها إلا العلماء الراسخون داخل المؤسسات العلمية. محذرًا من أن الفكر المتطرف في طرفيه  الجمود أو التفلت  يؤدي إلي ذات النتيجة: تضييع الدين وأحكامه.

وأشار المركز إلي أن علم الميراث مرتبط ارتباطًا وثيقًا بقضايا النفقات والواجبات المالية، والطعن فيه دون بيان هذه الارتباطات يفتقد للعدالة، كما اعتبر أن استغلال لافتات حقوق المرأة للطعن في الشريعة حيلة مغرضة تستهدف تفكيك الهوية الإسلامية واستيراد نماذج فكرية غربية لا تتسق مع واقع مجتمعاتنا.

واختتم الأزهر الشريف فتواه بالتأكيد علي أن التشكيك في أحكام الدين لا يصدر إلا عن طاعن متغافل عن الطبيعة التعبدية للشريعة، مشددًا علي أن المسلم الحق هو من يسلم لحكم الله وتشريعه، إذ قال تعالي: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار... ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين" "النساء: 1314".

كما أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا أكدت فيه أن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعي، وأن أحكام الميراث واجب وفريضة وليست رأيًا بشريًّا قابلاً للإلغاء أو التطويع.

أوضحت الإفتاء في بيانها أن الدعوة إلي المساواة المطلقة في الميراث. ستار خادع لإسقاط القدسية عن النص.

لقد تابعت دار الإفتاء المصرية باهتمام بالغ النقاشات الدائرة حول الدعوة إلي المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، وانطلاقًا من مسئوليتها وواجبها نشير إلي ما يلي:

أولًا: التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا

لا خلاف بين العلماء في جواز تبرع الشخص لأخته أو غيرها من ماله أو نصيبه من الميراث، كما لا يوجد ما يمنع من تبرع الأخت لأخيها ومساعدته من مال الميراث أو غيره أيضًا، إذ التبرع باب من أبواب الإحسان، ولكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم يُلغي أصل جواز التبرع علاوة علي أحكام المواريث القطعية، فذلك خلط  بين التصرف الفردي والتشريع الإلزامي، وهو مغالطة لا تخفي علي ذوي العقول والبصيرة.

ثانيًا: الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية
حين يُقال "لو تراضي المجتمع علي المساواة بين الذكر والأنثي في الميراث، فلماذا لا يُشرّع ذلك؟"، فهذه فرضية مفتعلة لا تُغير من الحقيقة شيئًا، فإن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعي، خصوصًا وأن من يدعون إلي ذلك أو ينادون به يتغافلون أن من أسماء هذا العلم علم الفرائض، جمع فريضة، وهو ينزع عنه صفة الفريضة والواجب عند التوزيع إلي صفة الحق فقط، وينسي أن الله تعالي قال في آيات الميراث: {فريضةً من الله} "النساء: 11"، فأحكام الميراث ليست حقًا فقط لصاحبه التبرع به، بل واجب وفريضة وليس رأيًا بشريًّا قابلاً للإلغاء أو التطويع.

ثالثًا:  مغالطة القياس علي التبرع
القياس بين التبرع "وهو مباح" وبين تغيير فريضة الميراث "وهو محظور" هو قياس فاسد. أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم "يستطيعون التبرع بها!" فلو كان هذا منطقًا سليمًا. لما بقي حقى ثابت ولا مالى مصون.

رابعًا: المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص
إن ما يُراد فعليًا من هذه الدعوات ليس المساواة كما يُدعي، بل نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلي ساحة نقاش وجدال، لكنها أمور محفوظة بحفظ الله لها، لأنه إذا قُبل هذا المنطق غير المستقيم، فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع "التبرع" علي غير المشروع "تغيير الفرائض"، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء "الاجتهاد المجتمعي"، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.

خامسًا: هل يبقي التبرع حقًّا بعد تحويله إلي قانون؟
إذا ما تم تشريع المساواة في الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا، بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يُقاضي الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.

سادسًا: الثوابت ليست محل تصويت
إن الثوابت ليست قاصرة علي العبادات أو أركان الإسلام، بل كل قطعيات الدين. أي التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء في كل مجالات التشريع الإسلامي كما لا يخفي ذلك علي العامة فضلًا عمن ينتسب للعلم.

إن هذه الدعوي من شأنها قلب الموازين فبدل أن يحمي التشريع القانوني الحق الشرعي ويضمن تنفيذه علي خير وجه، يحاول صاحب هذا الطرح أن يجعل التشريع القانوني معتديًا علي الحقوق الشرعية وطريقًا لسلب الناس حقوقهم وأموالهم، مستندًا في سلبه إلي قابلية الحق للتبرع بعد وجوبه، وهو من أغرب أوجه الاستدلال وأبعدها عن قواعد النظر السليم، وتحريفى لمفهوم الإحسان عن موضعه الصحيح.

وختاما إن الدعوة إلى المساواة المطلقة فى الميراث، تحت لافتة التطوع أو الايتفتاء الشعبى، ليست إلا ستازا خادعا يراد به نقض الحكم الشرعى، وإسقاط القدسية عن النص، وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخلية لم تنتج إلا اضطراباً وإنهيارًا فى مجتمعاتها فالنص القطعى ليس مادة لإعادة التشكيل، بل هو نور يهتدى به، وحد لا يتجاوز.

أخبار متعلقة :