درس في مفاوضة العدو

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
درس في مفاوضة العدو, اليوم السبت 31 مايو 2025 08:37 مساءً

 

الرسول "ص" فاوض وهو يحشد جيشه أمام الأحزاب لكن أن يلقى الرجل سلاحه ويصرح علانية بأنه لا طاقة له على القتال ثم يقول سأفاوض فهذا غريب مريب

 

عندما تصف نفسك أو يصفك فريقك بأنك صاحب مرجعية إسلامية فأنت تورط نفسك في أمر خطير، وهو أمر الاقتداء بسيرته ومسيرته صلى الله عليه وسلم، فهو صاحب المرجعية الكبرى، عملية كانت أم قولية، وقد أكرمنا الله بحياته التي شهدت كل شيء، فهو الزوج كثير البنات وهو الرجل متعدد الأزواج وهو الرئيس وهو قائد الجيش وهو المفاوض البارع وهو مقسم الغنائم وصاحب بيت المال، ثم هو اليتيم الفقير وهو الذي ذاق مرارة الحصار والتكذيب ومقتل أحب أهله إليه، لا يوجد أمر من أسياسيات الحياة لم يجربه رسولنا الكريم، والآن بعضهم يصرح مرارًا وتكرارًا بأنه من المقتدين بسيرة الرسول، ولكن عندما تحين ساعة الحقيقة تصبح التصريحات مجرد مزاعم هو والسراب سواء.

 

فالذي يختار التفاوض مع كيان يحتل بلده ثم يزعم أنه يقتدي بسيرة الرسول عليه أن يعرف أولًا كيف فاوض الرسول، لقد فاوض الرسول تحت السلاح، فاوض وهو محاصر، فاوض وهو في قلة من أصحابه، قبل أن يدخل الناس في دين الله أفواجًا، فهلا عرف الزاعم كيف فاوض الرسول قبل أن يورط نفسه ويورط بلده في مفاوضات لن تثمر شيئًا سوى المزيد من المذلة والمهانة؟

 

لقد شهدت غزوة الخندق، التي وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة مفاوضات بين الرسول رئيس دولة الإسلام وقائد جيشها وبين أعدى أعداء الدولة، وقصة المفاوضات مذكورة في معظم مصادر ومراجع السيرة العاطرة، ذكرها ابن هشام نقلًا عن ابن إسحاق فقال: "لما اشتد على الناس البلاء، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري، وهما قائدا غطفان، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهما الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة في ذلك "يعني لم يتم التوقيع النهائي"، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فذكر ذلك لهما، واستشارهما فيه، فقالا له: يا رسول الله، أمرا نحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به، لا بد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟.. قال: بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما، فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى (الضيافة) أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا، والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأنت وذاك. فتناول سعد بن معاذ الصحيفة، فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا".

 

انتهى النقل، ونلاحظ أن الرسول فاوض وهو يحشد جيشه أمام الأحزاب، ولكن أن يلقى الرجل سلاحه ويصرح علانية بأنه لا طاقة له على القتال ثم يقول سأفاوض، فهذا غريب مريب.

 

ونلاحظ أنه صلى الله عليه وسلم احترم قادة البلد فجاء بسعد بن معاذ وسعد بن عبادة لكي يشرح لهما الموقف على وجهه الصحيح، وكان بوسعه أن يوقع التوقيع النهائي، ثم يخبرهما لأنه رأس الدولة والقائد الأعلى للجيش، ولكنه لم يفعلها حرصًا على وحدة الصف واحترامًا للأنصار الذين هم أهل المدينة المنورة في أصل الأمر ومنبته.

 

ثم نرى طاعة الزعيمين لقائدهما هما يسألانه: هل هذا أمر من الله، فنقول سمعًا وطاعة، أم هو موقف بشري منك تريد به التخفيف علينا؟.

 

فلما رد عليهما بأنه حل يقترحه لتفريق القبائل التي تكالبت على المدينة، قالا: سنواصل الحرب ولن نعطيهم من ثمر المدينة شيئًا.

 

لعله صلى الله عليه وسلم أول من طبق المقولة الشهيرة: "يد تفاوض ويد تحمل السلاح"، فكتب الله له النصر لأنه أخذ بكل أسباب الحرب ولم يترك شيئًا للمصادفات ولم يفرط في سلاحه ثم يجلس على الطرقات باكيًا شاكيًا، لاجئًا إلى مفاوضات يقدم فيها كنوز بلاده من وثائق ومعلومات، متمنيًا رضا العدو عنه، ولن يرضى عنه العدو ولن يحصد سوى الخيبة والتعاسة.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق