الأمام أحمد بن علي ولد في ساحل الشام وتحول إلى مصر فكانت له الأهل والسند.. وأشتهر بمذهبه الشافعي ونال ألقابًا عديدة منها "قاضي القضاة" و"شيخ الإسلام"
كانت مصر عبر تاريخها مهدًا للعلم، وحاضنةً للفكر، ومسرحًا لأعظم العقول الفقهية التي خطّت بمدادها نهج الاجتهاد والتجديد، على أرضها تعانقت المذاهب، وتلاقحت العقول، وتسابقت الأرواح في دروب المعرفة، فلم تكن محض طريقٍ عابر، بل كانت مقصدًا يقصده الساعون إلى النور، وموئلًا لمن أراد أن يغترف من بحور الفقه وأصوله، في ساحاتها علت أصوات الدروس، وفي مساجدها انعقدت حلقات الفتوى، وفي زواياها وكتاتيبها نبتت أجيالٌ حملت لواء العلم وسارت به نحو الآفاق.
مرّ من هنا فقهاء جعلوا من مصر ميدانًا للعقل والاجتهاد، وأثروا حياتها الفقهية بفكرهم المستنير، فكانت مجالسهم ملتقى للآراء، ومنابرهم منارات للهدى، اجتمع على أرضها الإمام الشافعي الذي أرسى دعائم مذهبه الجديد، والإمام الليث بن سعد الذي نافس فقهه المذاهب الكبرى، وغيرهم من العلماء الذين نقشوا أسماءهم في ذاكرة الأزمنة، ولم يكن الفقه في مصر علمًا جامدًا محصورًا في الكتب، بل كان حياةً تنبض في الأسواق والمحاكم والمساجد، حيث تفاعل العلماء مع قضايا الناس، وأعادوا تشكيل الواقع على ضوء الشريعة بروح الاجتهاد والتجديد.
ولم تكن مصر يومًا مجرد بقعة جغرافية، بل كانت قلبًا نابضًا بالعلم، تتدفق منه أنهار المعرفة لتروي عطش العقول المتعطشة للفهم، وهنا وُضعت الأسس، وهنا نضجت الاجتهادات، وهنا تلاقى الفكر بالنص، فتشكّل تراثٌ فقهيّ خالدٌ ظل على مر العصور شاهدًا على دور مصر الريادي في تشكيل الوعي الإسلامي، ومدّ جسور العلم بين الأجيال، حيث لم يكن الفقه فيها مجرد كلمات تُسطر، بل حياة تُعاش، وعلمٌ يُصاغ، وتجربة إنسانية تنبض بالحكمة والبصيرة.
يتردد اسم الحافظ ابن حجر العسقلاني كواحد من أعمدة العلم ورموز الحديث، رجلٌ تجاوزت شهرته الآفاق حتى غدا التعريف به أشبه بالتذكير بشمس ساطعة في سماء التراث الإسلامي، وُلد في كنف أسرة يعود أصلها إلى عسقلان، لكنه لم يهنأ بحنان الأبوين طويلًا؛ إذ فقدهما وهو طفل، لكن مصر كانت له الأهل والسند، ففيها احتضنه وصيّه، أحد تجار مصر الكبار، ليبدأ رحلة استثنائية في طلب العلم.
منذ نعومة أظفاره، أظهر ابن حجر نبوغًا مبكرًا، فأتم حفظ القرآن الكريم وهو لم يتجاوز التاسعة، ثم انكبّ على دراسة المتون في شتى العلوم، متنقلًا بين صفحات التاريخ وأسرار الأدب حتى جذبه وهج الحديث، فصار من رواده الكبار، تاركاً بصمته الخاصة في علم الحديث، حتى صار اسمه مقرونًا بالتحقيق والتدقيق والتمييز بين صحيح الأحاديث وضعيفها.
لم يكن ابن حجر مجرد ناقلٍ للعلم، بل كان ناقدًا ومحققًا ومؤلفًا غزير الإنتاج، حتى جاوزت مصنفاته المائة والخمسين، وعلى رأسها "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، الذي أصبح عمدة الشروح على الإطلاق.
ورغم عظمة إرثه، كان شديد التواضع، إذ أقرّ في شيخوخته أنه لم يكن راضيًا عن كثير من كتبه، لولا بعض المصنفات التي حرّرها بعناية، ليمضي عالمًا ومؤرخًا ومحدثًا لا يشق له غبار، تاركًا خلفه إرثًا ينهل منه طلاب العلم إلى يومنا هذا، شاهِدًا على عقلٍ موسوعي وروحٍ لا تعرف الكلل في طلب المعرفة.
من هو الإمام الحافظ؟
هو أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر، عربي النسب، يعود أصله إلى قبيلة كنانة، وهي إحدى القبائل العربية المعروفة، أما نسبته "العسقلاني" فتعود إلى مدينة عسقلان الواقعة على ساحل الشام في فلسطين، حيث يرجع إليها أصل أجداده.
وُلد ونشأ وعاش وتوفي في مصر، واشتهر بمذهبه الشافعي، حتى أصبح من أعلامه البارزين، وبلغ منزلة رفيعة في العلم، فنال ألقابًا عديدة، منها "قاضي القضاة"، و"شيخ الإسلام"، وأرفعها لقب "أمير المؤمنين في الحديث"، الذي يعكس مكانته الراسخة بين علماء الحديث، وعُرف باسم "ابن حجر"، وهو لقب دار حوله جدل بين المؤرخين، حيث ذهب بعضهم إلى أنه كان لقبًا لأحد أجداده، فيما رأى آخرون أنه اسم والد أحمد بن حجر.
وُلد الحافظ ابن حجر في الثاني والعشرين من شهر شعبان سنة 773هـ، وسط أسرة عريقة في العلم والمكارم، مما وفر له بيئة خصبة للنبوغ والتعلم منذ الصغر، أما ملامحه وصفاته، فقد كان رحمه الله رجلاً متوسط القامة، يميل إلى القِصَر، أبيض اللون، مشرق الوجه، حسن المظهر، كثّ اللحية بيضاء اللون، قصير الشارب، نحيف الجسم. إلى جانب ذلك، فصيحًا بليغًا، شجي الصوت، يُحسن الإلقاء، وهي صفات زادت من تأثيره وهيبته بين الناس، كما عُرف بكثرة الصمت، وشدة الحياء، مما أضفى عليه وقارًا واحترامًا بين أقرانه وتلاميذه.
وُلد الحافظ ابن حجر ونشأ يتيمًا، إذ فقد والده وهو في الرابعة من عمره، وكانت والدته قد توفيت قبله، فوجد نفسه في رعاية وصيّه، كبير التجار أبا بكر محمد بن علي بن أحمد الخروبي، الذي لم يدّخر جهدًا في تأديبه وتعليمه، وكان له الدور الأكبر في توجيهه نحو طلب العلم، وحين بلغ الثانية عشرة من عمره، اصطحبه وصيّه إلى الحج عام 784هـ، فكانت تلك الرحلة نقطة تحول في حياته العلمية. في مكة، صلّى بالناس التراويح في المسجد الحرام عام 785هـ، وبدأ سماع الحديث، فكان أول شيخ تلقى عنه هو عفيف الدين عبد الله النشاوري، الذي قرأ عليه غالب صحيح البخاري، كما نهل من علم الفقه على يد الشيخ جمال الدين أبي حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة المكي، فكان أول من تلقى عنه أصول فقه الحديث من خلال كتاب "عمدة الأحكام" للحافظ عبد الغني المقدسي.
وعقب رحلته، عاد إلى مصر عام 786هـ بصحبة وصيّه الزكي الخروبي، وانكب على التحصيل بجد واجتهاد، فحفظ عددًا من المختصرات المهمة، مثل "عمدة الأحكام"، و"ملحة الإعراب"، و"ألفية الحديث" للحافظ العراقي، وكان يتميز بسرعة الحفظ وحدة الذكاء، كما قرأ القرآن بتجويده على الشهاب أحمد بن محمد بن الفقيه، ثم على الصدر سليمان بن عبد الناصر الإبشيطي، وتلقى عنهما شيئًا من العلوم الشرعية.
لكن وفاة وصيّه الخروبي عام 787هـ أثرت عليه، فتراجع قليلاً عن طلب العلم، حتى بلغ السابعة عشرة من عمره، حيث عاد إلى الاجتهاد بعزيمة أقوى، وأقبل على علم الحديث بشغف، وكانت بداية طلبه الجاد عام 793هـ، إلا أن شغفه الحقيقي به تجلّى في عام 796هـ، عندما بدأ في النهل من كبار مشايخ عصره.
كان أبرز من تتلمذ على يديه الحافظ زين الدين العراقي، الذي لازمه عشرة أعوام، فأخذ عنه الكثير وأصبح من أبرز تلامذته، حتى أذن له بالتدريس في علوم الحديث عام 797هـ، وكان العراقي يجلّه ويقدّره، معتبرًا إياه من أبرز طلابه، ولم يتوقف ابن حجر عند هذا الحد، بل واصل طلب الحديث من مسندي مصر، فنهل من علومهم، حتى أصبح في مقدمة علماء الحديث في عصره.
ومن يهاجر في سبيل الله، يجد في ترحاله ما يوسع مداركه، ويزيد من علمه، ويمنحه فرصًا لاكتساب الفوائد العظيمة، وقد كان الحافظ ابن حجر أحد أولئك الذين جعلوا من الرحلة وسيلة للتحصيل، فتنقل بين الأمصار والأقاليم، ساعيًا وراء المعرفة، فحصل السماع من الشيوخ الكبار، واغتنم فرصة اللقاء بأهل العلم، فسمع الأحاديث العالية، ونهل من علوم الحديث والفقه واللغة.
لم يكتفِ بما وجد في بلده، بل شدّ الرحال إلى أماكن عدة، فبدأ داخل مصر، حيث زار قوص والصعيد والإسكندرية والقاهرة والجيزة، فاستفاد من مدارسها العلمية، وحضر دروس الفقه، وأخذ عن المحدثين، واستزاد من علوم القراءات واللغة، كذلك لم تكن مصر محطته الوحيدة، بل امتدت رحلاته إلى اليمن، حيث زارها مرتين، الأولى سنة 799هـ، والثانية سنة 806هـ، فكانت له فرصة عظيمة للاستزادة من علومها، والجلوس إلى علمائها، والتعمق في الحديث وعلومه.
كما رحل إلى الحجاز غير مرة، فحجّ وجاور، واستفاد من حلقات العلم في المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث اجتمع إلى المحدثين والفقهاء، فازدادت خبرته واتسعت معارفه. ثم اتجه إلى الديار الشامية، حيث التقى بعدد من العلماء، وسمع من شيوخها، واستفاد مما حوته مجالسهم العلمية من درر الحديث والتفسير واللغة.
واجتمع للحافظ ابن حجر من الشيوخ ما لم يجتمع لأحد من أهل عصره، فكان واسع الاتصال بأهل العلم، حيث نهل من كبار العلماء في مختلف التخصصات، مما جعله أحد أكثر العلماء إحاطة بعلوم عصره.
ولم يكن يكتفي بما يسمع، بل كان حريصًا على تدوين الفوائد، وتوثيق ما يمر به في رحلاته، فجمع أسماء شيوخه في كتابه "المجمع المؤسس للمعجم المفهرس"، الذي يعد أحد أهم المصادر في التعريف بمشايخه، حيث رتبهم وفق حروف الهجاء، وبلغ عددهم نحو 628 شيخًا، وهو عدد يعكس مدى سعة ترحاله وحرصه على الاستفادة من كل عالم يلقاه.
وتلقى القراءات على أيدي كبار المقرئين في زمانه، ومنهم برهان الدين إبراهيم بن أحمد التنوخي البعلي، وصدر الدين محمد بن عبد الرزاق السفطي المقرئ، والشهاب أحمد بن محمد الخيوطي، فأحكم قراءته، وبرز في هذا العلم. أما في الفقه وأصوله، فقد أخذ عن كبار الفقهاء، مثل الإمام البلقيني، والعلامة سراج الدين بن الملقن، والعالم برهان الدين الأبناسي، والشيخ محمد بن علي بن القطان، والشيخ ابن جماعة، فأتقن المذهب الشافعي، وتمرس في القواعد الفقهية، وصار مرجعًا في هذا المجال. ولم يكتفِ بالفقه، بل توجه إلى علوم اللغة والأدب، فاستفاد من إمام عصره في اللغة محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزآبادي، والشيخ محمد بن إبراهيم البشتكي، والعالم اللغوي الشهير ابن هشام، فأصبح متمكنًا في علوم العربية، ضابطًا لأسرارها.
ولم يكن اهتمامه بعلم الحديث أقل من غيره، بل كان شغله الشاغل، حيث أقبل عليه بكليته، فأخذ عن الحافظ زين الدين العراقي، ولازمه سنوات طويلة، واستفاد من علمه الواسع، وقرأ عليه كتبًا وأجزاءً كثيرة، فأذن له في التدريس والإفتاء في الحديث سنة 797هـ، مما يدل على نبوغه المبكر، كما أخذ عن أعلام الحديث الآخرين، مثل الحافظ علي الهيثمي، والحافظ جمال الدين ظهيرة، والشيخة فاطمة بنت المنجا التنوخية، وغيرهم من كبار المحدثين.
وكانت رحلاته العلمية المتعددة سببًا في سعة اطلاعه، وتمكنه في علوم الحديث والفقه واللغة، فجمع بين النظر الدقيق، والتحصيل المستمر، والممارسة العملية للتدريس والبحث. وهكذا أصبح بحق أمير المؤمنين في الحديث، وإمامًا في علوم الرواية والدراية، ومرجعًا لكل من أراد التبحر في علم الحديث والفقه الإسلامي.
إسهامات الحافظ
شغل الحافظ ابن حجر العديد من المناصب التي جعلته أحد أبرز العلماء في عصره، حيث تولى الإملاء، فبدأ بعقد مجالسه العلمية منذ عام 808هـ، مقدماً فيها خلاصات علمه وفوائده الفريدة، كما تولى التدريس في عدد من المدارس، بعد أن أجازه بذلك كبار شيوخه، فدرّس التفسير والحديث والفقه، ناشراً العلم بين طلابه.
وأسندت إليه مهمة الإفتاء، حيث تولى إفتاء "دار العدل" طيلة واحد وأربعين عاماً منذ سنة 811هـ، ولم يزل في هذا المنصب حتى وفاته، كما تولى منصب القضاء، إضافة إلى قيامه بمهمات الخطابة والإمامة والوعظ، حيث ألقى خطبه في الجامع الأزهر وغيره من مساجد مصر، ناشراً الوعي الديني والفكري في المجتمع، وتتلمذ على يديه نخبة من العلماء الذين صاروا من أعلام عصرهم، وكان من أبرزهم الحافظ شمس الدين السخاوي، والحافظ برهان الدين البقاعي، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والحافظ محمد بن محمد بن الخيضري، والحافظ كمال الدين بن الهمام، والحافظ قاسم بن قطلوبغا، والحافظ ابن الشحنة، وغيرهم من أهل العلم الذين نقلوا تراثه العلمي إلى الأجيال اللاحقة.
وترك ابن حجر تراثًا علميًا ضخمًا، إذ بدأ التأليف مبكرًا منذ عام 796هـ، مستفيدًا من سعة اطلاعه ودقة فهمه وذكائه الحاد، فكان له العديد من المؤلفات التي شكلت ركائز أساسية في العلوم الإسلامية، وقد بلغ عدد مصنفاته، حسب تقدير الحافظ السخاوي، 27 كتابًا، بينما أوصلها الحافظ السيوطي في "نظم العقيان" إلى 198 مصنفًا.
ومن أبرز مؤلفاته: (فتح الباري شرح صحيح البخاري، وتهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة، وإتحاف المهرة بأطراف العشرة، والنكت على مقدمة ابن الصلاح، وأطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي، ونتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، وتغليق التعليق، وتعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، العجاب في بيان الأسباب، والقول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف، المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر وشرحه نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر، والنكت الظراف على الأطراف، تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، ونزهة الألباب في الألقاب، وتعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، وإنباء الغمر بأنباء العمر، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ورفع الإصر عن قضاة مصر، وبلوغ المرام من أدلة الأحكام، وغيرها من المؤلفات التي أثرت المكتبة الإسلامية.
مكانة الحافظ ابن حجر وثناء العلماء عليه
حاز الحافظ ابن حجر مكانة رفيعة بين العلماء، ونال ثناءً واسعًا من شيوخه ومعاصريه وتلامذته، وكذلك من الأئمة الذين جاؤوا بعده. فقد أجمع أهل العلم على فضله وسعة علمه وإتقانه، حتى وصفه الحافظ السخاوي بأن الثناء عليه لا يُحصى، بل هو محل إجماع. ونعته الإمام العراقي بأنه "العالم الكامل، الفاضل، المحدث المتقن، الضابط الثقة المأمون"، فيما قال عنه برهان الدين الأبناسي: "الإمام العلامة، المحدث المحقق، صدر المدرسين ومفتي المسلمين". وأثنى عليه أبو زرعة قائلاً: "جمال المحدثين، مفيد الطالبين"، بينما اعتبره ابن قاضي شهبة "بقية العلماء الأعلام، وإمام زمانه، وحافظ وقته"، مشيرًا إلى ذكائه الحاد وفطنته التي حيرت الأقران. كما وصفه البقاعي بأنه "شيخ الإسلام، وعَلَم الأئمة، وسلطان العلماء"، بينما عدّه السيوطي "إمام الحفاظ في زمانه، بل حافظ الدنيا بأسرها".
ومما يؤكد سعة علمه أن مؤلفاته لم تقتصر على الحديث الشريف فقط، بل امتدت إلى علوم الرجال، والتاريخ، والتفسير، والفقه، مما جعله موسوعة علمية متكاملة، وأحد أبرز علماء الإسلام عبر العصور.
وفاته وتأثيرها على أهل عصره
رحل الحافظ ابن حجر عن الدنيا ليلة السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة، بعد العشاء بساعتين. وكانت وفاته فاجعة كبيرة لأهل مصر، حيث عمت الأحزان، وأغلقت الأسواق والمتاجر حدادًا عليه، وخرجت القاهرة عن بكرة أبيها في جنازة مهيبة لم تشهد مصر مثلها منذ جنازة ابن تيمية، إذ احتشد فيها جمع غفير لا يحصيهم إلا الله. وأقيمت صلاة الجنازة عليه في مصلى المؤمنين بالرميلة خارج القاهرة، وأذن الخليفة للعَلَم البلقيني بإمامة المصلين. ثم نقل جثمانه إلى القرافة الصغرى، حيث ووري الثرى في تربة بني الخروبي، بين ضريحي الإمام الشافعي والشيخ مسلم السلمي، لتختتم بذلك رحلة علمية حافلة بالعطاء، خلّف فيها إرثًا علميًا خالدًا.
برحيله، فقدت الأمة أحد أعمدة العلم في عصره، لكن بقيت كتبه ومؤلفاته شاهدًا على عظمة إنتاجه العلمي، حيث لا يزال طلبة العلم والباحثون يستفيدون منها إلى يومنا هذا، مما جعله خالد الذكر في سجل العلماء الذين أسهموا في حفظ ونشر علوم الشريعة الإسلامية. ومما قيل في رثائه ما قاله شهاب الدين المنصوري، معبرًا عن الحزن الذي خيم على أهل العلم بفقده:
بكاك العلم حتى النحو أضحى
مع التصريف بعدك في جدال
وقد أضحى البديع بلا بيان
قد سلفت معانيه الغوالي
وقد درستْ دروس العلم حزنا
وقد ضلّ الجواب عن السؤال
0 تعليق