افتتاح الدورة الثالثة لتظاهرة "تجليات الحلفاوين": بطحاء الحلفاين تتوهّج بإيقاعات الحضرة في ليلة النصف من رمضان

تورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
افتتاح الدورة الثالثة لتظاهرة "تجليات الحلفاوين": بطحاء الحلفاين تتوهّج بإيقاعات الحضرة في ليلة النصف من رمضان, اليوم السبت 15 مارس 2025 01:32 مساءً

افتتاح الدورة الثالثة لتظاهرة "تجليات الحلفاوين": بطحاء الحلفاين تتوهّج بإيقاعات الحضرة في ليلة النصف من رمضان

نشر في باب نات يوم 15 - 03 - 2025

babnet
مع انسياب نسمات ليلية في سهرة رمضانية في بطحاء الحلفاوين ومع كل إيقاع يدق على البنادر ومع كل صوت ينطلق من حناجر المنشدين، كانت الأجواء تتشكل لتصنع لوحة فنية صوفية خالصة تنبض على وقعها الحلفاوين بالحركة والحياة وتتردد أصداؤها في أزقة المدينة العتيقة.
في هذا الركن العريق من العاصمة، انطلقت فعاليات الدورة الثالثة للتظاهرة الرمضانية "تجليات الحلفاوين" في سهرة الجمعة 14 مارس، والتي ينظمها المسرح الوطني التونسي بالشراكة مع جمعية عبد الوهاب بن عياد ومؤسسة "ميكروكراد، تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية من 14 إلى 18 مارس الحالي.
وقد سجل حفل الافتتاح حضورا جماهيريا غفيرا، جاءه البعض بنية التأمل والتصوف فيما اختار آخرون متابعة الحدث من مقاهي الحلفاوين يحتسون الشاي الساخن أو القهوة، بينما تسافر ذواتهم مع الأنغام الروحانية التي ملأت المكان.
ومع اقتراب موعد العرض، كانت بطحاء الحلفاوين وهي إحدى الساحات الشهيرة في مدينة تونس العتيقة وجزء من الحي المعروف باسم الحلفاوين الواقع بالقرب من باب سويقة أحد الأحياء العريقة التي احتضنت العديد من الشخصيات الثقافية والتاريخية التونسية، قد تحولت إلى فضاء احتفالي بامتياز، حيث المصابيح تشع بنورها بألوان مختلفة تترجم تنوع الحياة الرمضانية الليلية في هذه الساحة التي تعج بالحركة. أما الجماهير فقد احتشدت قبيل انطلاق العرض في شوق إلى اللحظة التي ستبدأ فيها فرقة مرشد بوليلة، برعاية ميكروكراد، بعزف أنغام الحضرة إيذانا بولادة طقس روحاني جديد في قلب المدينة.
وبينما اختار بعض الحاضرين أن يكونوا في الصفوف الأمامية حيث تكون أعينهم مشدودة إلى الركح وأجسادهم مهيأة للانخراط في الحالة الصوفية، فضّل البعض الآخر الاستماع من بعيد من فوق الأرصفة أو من نوافذ المنازل المجاورة حيث تسللت الألحان والإيقاعات إلى الداخل لتشارك سكان الحي طقوسهم الروحانية.
ولعب تجار سوق الحلفاوين دورا محوريا في إنجاح هذه التظاهرة، حيث أبدوا تضامنا كبيرا مع المنظمين عبر تعليق نشاطهم التجاري لمدة يومين، ما أتاح للفرق التقنية فرصة تجهيز الركح وتركيز معدات الصوت والإنارة لضمان استقبال العرض في أفضل الظروف. وقد ترجمت هذه البادرة روح التآزر بين مختلف مكونات الحي وسكانه ورغبتهم في منح رواد وأهالي الحلفاوين والأحياء المجاورة ساعات من البهجة والتأمل خلال هذا الشهر الكريم.
انطلقت الاحتفالات بعرض أدائي في فن السيرك المعاصر الذي يعتمد على البنية الجسمانية والحركات البهلوانية الخطيرة التي حبست أنفاس الحضور، ثم تعالت إثر ذلك الأصوات المنغّمة بالذكر لحضرة مرشد بوليلة وأخذت الإيقاعات تتصاعد شيئا فشيئا تتبعها تراتيل صوفية مثل "سيدي بوعلي النفطي" "يا للا جيتك"، ثم تأخذ الإيقاعات في التزايد، فتدخل الموسيقى في حالة من التخميرة الصوفية حيث تتعالى إيقاعات البنادر ويتمايل المنشدون وينطلق الجمهور في التصفيق والغناء.
وبلغ العرض ذروته مع أداء الحضرة "سيدة يا نغارة" و"سيدي علي الكراي" و"أم الزين الجمالية" و"سيدي منصور" التي جعلت الجميع في حالة من النشوة والتخميرة، فقد كانت الإيقاعات تتسارع والأقدام تضرب الأرض بإيقاع منسجم، كأنما تطرق على أبواب السماء حيث تلاشت الحدود بين الجسد والروح وبين الصوت والصمت وبين الزمان والمكان. وامتزجت إيقاعات "سيدي منصور" بنغمات السطمبالي مفسحة المجال لظهور شخصية "بوسعدية" الأسطورية التي جسدتها رقصة إفريقية خالصة تروي معاناة شعوب إفريقية غابرة وحنينه الأبدي للبحث عن ابنته المختطفة "سعدية". وكان الرقص أشبه بطقس شعائري حيث تدفقت حركات الراقص بحرّية كأنه يستدعي الأرواح الغائبة أو كأنه يجسد الصراع الداخلي بين الألم والتحرر، فأصدافه البحرية كانت تلمع تحت الأضواء فيما العظام التي زينت جسده بدت وكأنها تخبرنا بحكاية الصحراء القاحلة ورحلة البحث الطويلة.
وتميّز العرض بتوظيف آلات تقليدية مثل الزكرة والبنادر والدربوكة، حيث شدّد مرشد بوليلة على أهمية هذه التوليفة في منح الحضرة هويتها الأصلية. كما ساهم الديكور والإضاءة في تعزيز الأجواء الصوفية، حيث نُظمت الفضاء بما يتماشى مع طبيعة العرض الروحي في تناغم بين الإضاءة الخافتة والضوء الذهبي الذي عكس حالة التجلّي الصوفي.
ومع انتهاء العرض، كان الجمهور لا يزال يعيش على وقع الألحان، بعضهم يغادر وفي داخله صدى الإيقاعات، والبعض الآخر يتهامس حول تفاصيل العرض مسترجعين اللحظات الأكثر تأثيرا.
أما الحلفاوين التي مازالت مقاهيها تعج بالزبائن إلى وقت متأخر من الليل، فقد عاشت ليلة من لياليها الحالمة حيث تجلى تناهي الزمان مع المكان في مشهد لن يُمحى بسهولة من ذاكرة أحباء السمر في رمضان.
تابعونا على ڤوڤل للأخبار

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق