اليوم الجديد

عن المقال وتأثيره

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن المقال وتأثيره, اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 09:50 صباحاً

عن المقال وتأثيره

نشر بوساطة عبد الله فدعق في الوطن يوم 24 - 08 - 2025


في عالم يتغير بسرعة، ويزدحم بمصادر الخبر والمعلومة، يبقى «المقال» أداة مهمة في صناعة الرأي العام وتوجيهه؛ فالمقال ليس مجرد نص عابر يملأ زاوية في صحيفة أو في منصة رقمية، بل هو وعاء للفكرة، ووسيلة للتأثير، وجسر يصل بين الكاتب والقارئ، ينقل عبره ما يتجاوز الحدث العابر إلى معنى أعمق ورؤية أوسع.
المقال المؤثر يبدأ كاتبه بفكرة أصيلة، ولا يكفي في هذا الصدد أن يعيد الكاتب تدوير ما يُقال هنا وهناك، فذلك لن يترك أثرًا في القارئ، ولا يضيف للوعي العام، والمطلوب أن يقدم المقال زاوية جديدة، أو يعرض ما يريد عرضه بمنهج تحليلي متماسك، أو يُعيد قراءة الظاهرة بلغة مختلفة تستفز العقل وتحرك الوجدان، وحينها فقط سيشعر القارئ أن أمامه قيمة فكرية تستحق وقته، وأن ما يقرؤه يتجاوز حدود التسلية إلى دائرة التنوير والإقناع.
فكرة المقال وحدها لا تكفي؛ فهي تحتاج إلى أسلوب يليق بها، ولغة رصينة جاذبة تحفظ للمقال هيبته وتأثيره، ووضوح تام، وإيجاز لا يخل بالمعنى، وجمال للعبارات، وسلاسة في تدفقها؛ ذلك أن القارئ في أيامنا هذه قليل الصبر، سريع الانتقال، لا يمنح وقته إلا لمن يخاطبه مباشرة دون إطالة مرهقة أو زخرفة فارغة، وهنا تتجلى قيمة الجمع بين العمق والاختصار في آنٍ واحد، كذا تقديم التحليل الغني بعبارات تشبع العقل دون أن تثقل عليه.
من أهم عناصر قوة المقال، الصدق والمصداقية؛ فالقارئ المعاصر لم يعد يتسامح مع الوهم أو التزييف، وهو قادر على التحقق من المعلومة خلال ثوان معدودة، والمقال الذي يقوم على حقائق دقيقة، ويُبنى على معرفة راسخة، سيرسخ ثقة القارئ بالكاتب، ويجعله يعود إليه مرارًا طلبًا للرأي الوازن والتحليل الرصين، كما أن التوقيت عنصر جوهري، فالمقال، مهما كانت قيمته، يفقد كثيرًا من أثره إذا جاء متأخرًا عن اللحظة الواجبة، وقدرة الكاتب على اقتناص الحدث في وقته، وربطه بسياقات أوسع، هي ما تجعل المقال جزءًا من النقاش العام، لا تعليقًا متأخرًا عليه..
ليس عيبا ذكر أن الكاتب، هو الآخر، قد يتوه وسط زحام المنصات وسرعة تدفق الأخبار؛ فالمنافسة اليوم شديدة، والخوارزميات تتحكم في ما يصل للناس وما يُخفى عنهم، والقرّاء يعيشون في عالمٍ يفضّل المقتطف السريع على النص الطويل، وهنا تظهر أهمية أن يُكتب المقال بوعي بواقع الإعلام الجديد، دون تفريط في جوهره، بل بإضافة قيمة لا يجدها القارئ في التغريدات أو التعليقات العاجلة.
أختم بأنه ومع كل الضغوط والتحديات المختلفة، يظل للمقال دوره الأصيل، في أن يوازن بين الجرأة والحكمة، والكاتب الفطن المؤثر لا يخشى التعبير عن موقفه، وعليه أن يزن كلماته بميزانٍ دقيق، فلا يقع في التهويل ولا في الاستفزاز، بل يقدم رأيًا شجاعًا بعبارات مسؤولة، وهذا هو مكمن قوته في الجمع بين التأثير والإقناع معًا. والمقال الناجح ليس انعكاسًا لإحساس كاتبه فحسب، بل هو الذي يسهم في تشكيل وعي المجتمع؛ فحين يُكتب المقال بصدق، وبلغة جاذبة، وفكرة أصيلة، وفي توقيت مناسب، سيصبح بوصلة للقارئ وسط الفوضى، وسيمنحه القدرة على أن يرى ما وراء العنوان العاجل أو الضجيج الإعلامي، وعندئذ سيبقى المقال، رغم تغير الزمن وتعدد الوسائط، أداة راسخة لتوجيه الرأي العام، وبناء النقاش على أسس أعمق وأبقى، ويبقى الهدف الأسمى من كل مقال رصين، أن يسهم صاحبه الحصيف في الوعي بلا تأجيج، وفي النقد بلا تجريح، واضعًا دينه وقيادته ووطنه في أولى الأوليات، ومقدمة الاعتبارات.




أخبار متعلقة :