نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثقافة السلام والمسرح التنموي, اليوم الخميس 21 أغسطس 2025 11:26 مساءً
نشر بوساطة ملحة عبد الله في الرياض يوم 21 - 08 - 2025
ثقافة السلام باتت ملزمة وموجبة لما تنضح به وسائل الإعلام لما نحياه اليوم من نتح مخيف من العنف في الإنتاج المتلفز والسينمائي وكذلك الخطاب الإعلامي، وهذا ما ينتج بطبيعة الحال ثقافة العنف، سواء كان على مستوى الأفراد أو حتى على مستوى الدول والمؤسسات، مما نراه اليوم من الحروب..
لقد استعرت هذا العنوان من كتاب صدر للكاتب والناقد السوداني أ.د. أبو القاسم قور هو من خاض غمار النقد والفلسفة ودرَّسها في عدد من الجامعات العربية والأجنبية بالإضافة إلى جامعة الخرطوم، وقد تفضلت الهيئة العربية للمسرح بنشره هذه الأيام.
فثقافة السلام باتت ملزمة وموجبة لما تنضح به وسائل الإعلام لما نحياه اليوم من نتح مخيف من العنف في الإنتاج المتلفز والسينمائي وكذلك الخطاب الإعلامي، وهذا ما ينتج بطبيعة الحال ثقافة العنف، سواء كان على مستوى الأفراد أو حتى على مستوى الدول والمؤسسات، مما نراه اليوم من الحروب.
ويرد الكاتب هذا العنف في المسرح إلى الدراما الغربية، التي تضرب جذورها في عمق الدراما اليونانية، والتي توارثها الكُتاب جيلاً بعد جيل ماراً بنظرية التطهير لدى الفيلسوف اليوناني أرسطو حتى الدراما الحديثة، مما أكسب الدراما الغربية نوعا من العنف والذي امتد بدوره إلى المسرح المعاصر. ولذلك يقول في كتابه: « لكن كما نرى لقد قادت نظرية التطهير لدى أرسطو إلى تطور المأساة عبر التاريخ، فأصبحت الدراما تعرض أبطالا عظاما، وأحداثا فظيعة، وعنيفة، فتسرب هذا المفهوم الذي يبحث عن أبطال العنف، وتطور في الدراما الحديثة، ووسائلها مثل الدراما المتلفزة والسينمائية مما أدى إلى تطور دراما العنف في المسرح الغربي التي يمكن اعتبارها أحد عناصر ثقافة الحرب في العالم. فالعنف في المسرح الغربي أصيل وضارب بجذوره في نظرية الدراما الغربية».
ومن هنا تتجلى لنا خطورة المسرح ومدى تسربه للوجدان الجمعي، وكيف اهتم المنظرون بتحولات المسرح وترويضه ليكن فعالا ومعالجا نفسيا واجتماعيا ووطنيا للجماهير وللحكومات أيضا، فهو من يعمل على ما يسمى في علم النفس بالانزلاق الوجداني والتسرب الانفعالي، حيث يتسرب إلى الوجدان فيصنعه، ويكيفه كيفما أرادت الرسائل المرسلة عبره. ومن هنا كان لزاما علينا -وفي هذا المنعطف التاريخي الخطير- النظر فيما يقدم ليس على مستوى المسرح فحسب وإنما على كل الصعد المرسلة في كل وسائل الإعلام.
فبطبيعة الحال كان الكُتاب جلهم يتبعون نظرية أرسطو في المعرفة وفي المسرح إذ أطلقوا على كِتابة (دستور المسرح) الذي يجب أن يتبع في الكتابات المسرحية؛ ولكن الكاتب هنا يرى أنه لم يعد هناك مكان لاتباع نظرية أرسطو إذ أن الزمن قد تغير وأن أساليب المعرفة قد تغيرت فيقول عن الدراما الإغريقية:» الروائع الإغريقية مثل أوديب ملكا للشاعر سوفوكليس والأوريستيا لإيسخولس ببريقها الأدبي والإبداعي الإنساني وتطور الحضارة الإنسانية والتعقيدات التي تصاحب هذا النوع من تطور العنف بالإضافة لتطور العنف لأدواته. على سبيل المثال في عام 1980م عرض مسرحية الارورستيا للكاتب اليوناني. أيسسخولس على المسرح القومي في لندن ضمن عروض الموسم المسرحي لذلك العام. بعد نهاية العرض قال أغالبية المشاهدين «آنهم تعرضوا لمشاهدة تجربة أشد واقعية من الحياة نفسها».
ولذلك ظهرت نظرية مسرح القسوة لصاحبها أنتونين آرتو( 1896-1948) لتعرية الدراما الغربية، إذ يقول الكاتب: «لم يكن أنتونين آرتو منظرا مسرحيا أو ناقدا أو شاعرا فحسب، بل كان حالة من حالات تعري الحضارة الغربية. ولقد ثار أنتونين آرتو على الثقافة والحضارة الأوروبية وتمرد على أسبابها بصورة واضحة، فيقول آرتو: لم يكثر الحديث عن الحضارة والثقافة أبدا كما يكثر الآن، حتى عندما تذهب الحياة ذاتها، هناك تواز غريب بين هذا الانهيار العام للحياة، الذي أسس فقدان الروح المعنوية حاليا هو الاهتمام بثقافة لم تطابق الحياة أبدا، بل جعلت لكي تحكمها»
كل ذلك يؤكد أننا نستمد الدراما بكل أنواعها ونستلهما من الدراما الغربية التي خاضها هؤلاء الكتاب في نقد كل تلك النظريات وتبعاتها واستلهامها لدى الدراميين العرب في كل أنواع الدراما -ويجب أن نصحح بعض المفاهيم لدى العامة، بأن الدراما هي كل ما يصنع من أحداث سواء كان كوميديا أم تراجيديا وليست كما يفهما البعض بأن الدراما هي صناعة المأساة المحزنة فقط، ولذا فكل ما يرسم إما في التلفزيون والسينما والمسرح والقصة والرواية كلها تعتبر صناعة درامية- ومن هنا كانت خطورة هذا النوع على البنية المجتمعية وعلى سلوكها العام، فالدراما الغربية هي من تصدر ذلك العنف الذي نتخذه وسيلة في إنتاج الدراما العربية، وقد تسببت تلك الدراما الغربية في العديد من المساوئ التي تسببت في انهيار المجتمعات الأوروبية فيقول قور في هذا الكتاب: «ينتقد آرتو الحياة الثقافية في أوروبا، أزمة الإنسان الغربي إلى طبيعة العصر، وعدم توفر الإنسان الأوروبي على ثقافة إيقاع إبداعي كفعل يخلق التواؤم بين الإنسان وبيئته. يرى آرتو أن الثقافة الأوربية زائفة، والإنسان الآخر مزيف، وهو إنسان بلا إيمان، بلا إحساس حقيقي بالحياة، ويرى آرتو أنه قد أصبحت الثقافة الغربية هي الأشياء، بمعنى أن نظم الحياة ودلالات الأشياء والتكنولوجيا صارت هي الأساس».
ولذلك فإننا نشعر بهذا التسرب لدى مجتمعاتنا حيث أصبحت الأشياء هي الركيزة الأساسية للحياة وأصبح المعني للأشياء يفوق معنى الإنسان نفسه وهذا هو كنه التشيوء إذا ما أصبح الإنسان عبدا للأشياء أسيرا لها يكتسب قيمته من قيمة الأشياء نفسها. وهو ما يحدث اليوم في مجتمعاتنا وهذا هو خطر تسرب ما تفعله الدراما الغربية وكذلك العربية بالفرد في كل الأمكنة والأزمة!
ولذا فإن الكاتب في كتابه هذا يدعو إلى الاهتمام وتفعيل المسرح التنموي وهو ما ينطوي على الرجوع إلى التراث والمشاركة في الفعل الجماعي للموروث الشعبي بشكل جماعي مشترك ليس في الفعل الجماعي فحسب وإنما في الأغاني والأهازيج المتوارثة ذلك لأن الفعل الجماعي يؤسس لفعل السلام المجتمعي فيقول: «يوجد المسرح من أجل التنمية حيث يتوفر عدد من المسرحيين يعملون مع المجموعات المتنوعة والمتعددة في مجال التنمية أو المنظمات المختلفة التي تعمل في هذا المجال الحيوي يساعدون في خلق نوع من المسرح ذي رسائل في مجالات متعددة مثل التغذية محو الأمية وصحة البيئة والزراعة حول أماكن السكن، هذا النوع من المسرح يتراوح بين الدراما والأغاني بسيطة تحمل ألحانا ذات رسائل واضحة في الحقل المحدد ويكون العاملون في مجال المسرح التنموي في شكل مجموعات أو منشطين».
ويعزز الكاب في هذا الصدد نظريته حول ارتباط المسرح بالتنمية بقوله:» فلسفة التنمية بهذا السياق تفيد كمرتكز فكري ومنظور للتخطيط الثقافي والقضايا الإنسانية الحيوية مثل السلم والوعي الاجتماعي».
والمسرح التنموي تعنى فلسفة التنمية في سياق تصورات الناس المستقبلية بإيجاد النماذج المناسبة لتطبيقها. وتتجه مثل هذه الفلسفة إلى توفير تصميمات فلسفية وسسيو..ثقافية من أجل التحول الاجتماعي المطلوب.
أخبار متعلقة :