نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأمن الدوائي أولوية وطنية, اليوم الجمعة 2 مايو 2025 01:25 صباحاً
نشر بوساطة صالحة العتيبي في الرياض يوم 02 - 05 - 2025
تُمثّل صناعة الأدوية في المملكة العربية السعودية أحد أبرز الملفات الاستراتيجية التي تشهد تطورًا متسارعًا، كجزء من مشروع وطني متكامل يهدف إلى تحقيق الأمن الدوائي، وترسيخ السيادة الصحية، وتوطين الصناعات الحيوية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. وفي ظل المتغيرات العالمية التي أثرت على سلاسل الإمداد والتوريد، لم يعد الاكتفاء الدوائي خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل ضرورة وطنية تمضي المملكة نحو تحقيقها برؤية طموحة، وجهود مؤسساتية متكاملة، واستثمار واسع في البنية التحتية والكفاءات البشرية والتقنيات الحديثة.
توفير الأدوية بشكل مستدام وآمن
يعرف الأمن الدوائي بأنه قدرة الدولة على توفير الأدوية الأساسية بشكل مستدام وآمن، وبأسعار مناسبة وجودة عالية لجميع فئات المجتمع، مع تقليل الاعتماد على الواردات الخارجية. ويتجاوز المفهوم مجرد الوفرة الكمية، ليشمل أيضًا الاستجابة السريعة للأزمات، وتنويع مصادر التصنيع، وتوطين سلاسل القيمة المرتبطة بالصناعة، من المواد الخام إلى التوزيع. وقد عززت جائحة "كوفيد-19" الوعي العالمي بأهمية هذا النوع من الأمن، إذ أظهرت الحاجة الماسة إلى منظومة دوائية وطنية مرنة يمكنها الصمود في وجه الطوارئ الصحية، وهو ما تعاملت معه المملكة بفعالية بفضل بنيتها المؤسسية وخططها الاستباقية.
تحول استراتيجي في صناعة الدواء
وضعت رؤية المملكة 2030 الأمن الدوائي في صلب خططها الصحية والصناعية، من خلال رفع نسبة التصنيع المحلي للأدوية إلى 70 %، وزيادة إسهام القطاع الصيدلاني في الناتج المحلي، وتعزيز المحتوى المحلي في التصنيع الدوائي، وتأسيس بنية تحتية حديثة تشمل المصانع، ومراكز الأبحاث، وحاضنات الابتكار. وقد انعكست هذه التوجهات في إطلاق برامج حكومية لتوطين صناعة الأدوية، وتحفيز الشركات الوطنية والأجنبية على الاستثمار داخل المملكة، وتقديم تسهيلات تمويلية وتشريعية، فضلاً عن بناء شراكات استراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص. وتسعى المملكة إلى التحول من مستهلك رئيس إلى منتج ومصدر، من خلال بناء قدرات تصنيع نوعية تشمل الأدوية التقليدية، والمستحضرات الحيوية، واللقاحات، ومشتقات الدم، والأدوية المتقدمة كالبيولوجية والجينية.
نمو في الكم وتطور في النوع
تشير الأرقام إلى تطور كبير في حجم القطاع الدوائي السعودي، حيث يبلغ عدد المصانع المسجلة أكثر من 40 مصنعًا تغطي نحو 36 % من احتياج السوق المحلي، ويُقدّر حجم السوق الدوائي بأكثر من 30 مليار ريال، ويتوقع أن يتجاوز 50 مليار ريال خلال السنوات المقبلة، بمعدل نمو سنوي يتراوح بين 10 إلى 12 %. كما تجاوزت صادرات المملكة الدوائية 1.5 مليار ريال سنويًا، في مؤشر على قدرة المصانع المحلية على تلبية المعايير الدولية، وتعزيز حضورها في الأسواق الإقليمية. ويغطي الإنتاج المحلي اليوم عدداً متزايداً من الأصناف الدوائية، بما في ذلك الأدوية الجنيسة، والمستحضرات المعقدة، والأدوية ذات الاستخدامات المزمنة، مما يقلل الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاستقلالية.
رقابة فعالة
تحرص هيئة الغذاء والدواء ووزارة الصحة على تطوير منظومة رقابية متكاملة لضمان مطابقة المنتجات المحلية للمعايير الدولية. وتشمل الإجراءات اعتماد ممارسات التصنيع الجيد (GMP) والتوزيع الجيد (GDP)، والتفتيش المنتظم على المصانع والمستودعات، فضلاً عن تسهيل تسجيل الأدوية وتسريع عمليات الترخيص. وقد انضمت الهيئة إلى عضوية منظمة التفتيش الدوائي التعاوني الدولية (PIC/S)، وتم انتخابها في اللجنة الإدارية للمجلس الدولي لتوحيد متطلبات المستحضرات الصيدلانية (ICH)، ما يعكس الاعتراف الدولي بكفاءة النظام الرقابي السعودي، ويمنح المنتجات الوطنية ثقة أوسع في الأسواق العالمية.
شراكات تقود التحول الصناعي
يؤكد الأستاذ عبدالله الزميع، الرئيس التنفيذي لشركة أماروكس لصناعة الأدوية، أن المملكة تعيش اليوم عصرًا ذهبيًا في القطاع الصحي، مدفوعًا برؤية واضحة ودعم غير مسبوق من القيادة. ويشير إلى أن الأمن الدوائي لم يعد مجرد توافر للدواء، بل أصبح مرتبطًا بالابتكار، وتطوير الأبحاث، وتوفير مخزون استراتيجي، وإيجاد بيئة تنظيمية محفزة للاستثمار. وأضاف أن ما تحقق خلال أزمة كورونا من اكتفاء محلي وسرعة في توفير الأدوية واللقاحات يعكس مدى جاهزية المملكة، ويؤكد أهمية الاستمرار في دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتمكين الشباب والكفاءات الوطنية، وتطوير سلاسل الإمداد الداخلية.
تمكين العقول لبناء المستقبل
تشكل الجامعات السعودية ومراكز البحث ركيزة أساسية في مشروع الأمن الدوائي، من خلال إعداد الكوادر الوطنية المؤهلة، ودعم الأبحاث التطبيقية. ويبرز هنا دور جامعة الملك سعود، ومركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك)، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وهيئة البحث والابتكار، في توفير بيئة علمية حاضنة للأفكار، ومشاريع الابتكار. كما أطلقت المملكة برنامج حاضنات الابتكار في القطاع الدوائي، وفعّلت الشراكة مع الشركات العالمية لنقل التقنية، وتوطين تصنيع الأدوية المتقدمة، بما في ذلك اللقاحات والأدوية البيولوجية، وهو ما يجعلها على أعتاب ثورة دوائية نوعية.
التقنية والذكاء الاصطناعي
يشهد القطاع الدوائي تحولًا جذريًا بفضل دخول التقنيات الحديثة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، حيث تُستخدم اليوم خوارزميات متقدمة لتسريع اكتشاف الأدوية، وتصميم التجارب السريرية، وتحليل البيانات الطبية الضخمة، وتتبع سلسلة الإمداد، وضمان الجودة. ويشير الدكتور ريان السعدي، المؤلف وعضو الاتحاد الدولي للصيدلة، إلى أن منصة "رصد" التي أطلقتها هيئة الغذاء والدواء تعد مثالاً على التحول الرقمي في القطاع، من خلال تتبع الأدوية، والتحقق من سلامتها، وتحليل اتجاهات السوق، وهو ما ينسجم مع طموح المملكة بأن تكون من أوائل الدول التي توظف الذكاء الاصطناعي في صناعة الدواء.
تحديات قائمة
رغم النجاحات المتحققة، لا يخلو الطريق من التحديات، والتي تشمل الحاجة إلى تقنيات تصنيع متقدمة، وتوفير المواد الخام محليًا، وتوطين الأدوية المعقدة ذات التقنية العالية. كما يتطلب تحقيق الاكتفاء الكامل في بعض الفئات الدوائية وقتًا واستثمارًا طويل الأمد، بالإضافة إلى الحاجة لتأهيل المزيد من الكفاءات في التخصصات الدقيقة، مثل تصنيع الأدوية البيولوجية والتجريبية. ويؤكد المهندس عبدالعزيز آل الشيخ، الرئيس التنفيذي لشركة سبيكتروفارما، أن المملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، مشيرًا إلى ارتفاع نسبة الأدوية المنتجة محليًا من 20 % عام 2019 إلى 30% في 2023، مع خطط لتوطين تصنيع 200 دواء استراتيجي، والتركيز على اللقاحات والأنسولين ومشتقات الدم.
التزام وطني
تمضي المملكة بثبات في مشروعها الوطني لتحقيق الأمن الدوائي، مدعومة بإرادة سياسية، ورؤية استراتيجية، ومنظومة تشريعية وتنظيمية متكاملة. ومع تصاعد الاستثمارات، وتنامي الكفاءات، ودخول التقنيات الحديثة، تتجه المملكة لتكون مركزًا إقليميًا لصناعة الأدوية، قادرة على تلبية احتياجاتها الداخلية، وتصدير منتجاتها للأسواق العالمية بجودة عالية ومعايير موثوقة. إن تحقيق الأمن الدوائي ليس هدفًا لحظيًا، بل التزام وطني طويل الأمد، يستند إلى الابتكار، والمعرفة، والتعاون بين المؤسسات، ويعزز مكانة المملكة كمثال يُحتذى به في المنطقة والعالم في تحقيق السيادة الصحية عبر بوابة التصنيع المحلي.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :