نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرؤية الواقعية عند ابن تيمية, اليوم الثلاثاء 18 مارس 2025 08:41 صباحاً
نشر بوساطة عبد الرحمن المرزوقي في الوطن يوم 18 - 03 - 2025
ابن تيمية، رغم حدته الشديدة وتعصبه في الفهم الديني والقيم الإسلامية النظرية، فإنه واقعي ونسبي في التطبيق. على سبيل المثال: كان ابن تيمية يرى أن أمر الخلافة واجبٌ شرعي «من الناحية النظرية»، لكنه لم يطالب يومًا بإسقاط الحكام والخروج عليهم من أجل تحقيق الخلافة «رغم أنه يراها أمرًا شرعيًا». لأنه أولًا كان يفرق بين التصور النظري الكلي المطلق في الذهن وبين التطبيق النسبي في الواقع. وثانيًا، كان يقيس الأمور بعدسة «المصلحة العامة» ومدى الضرر والنفع الذي سيحصل للمجتمع جراء المطالبة بالخلافة. كما كان يتتبع المعطيات ويفحص الواقع ويطالب بالتساؤل: هل الظروف تسمح بإقامة الخلافة؟ وهل يتوافق شكل نظام الخلافة مع معطيات العصر؟، إذ أن ابن تيمية لا ينظر بعين واحدة في التطبيق.
لذلك قال في زمانه إن الظروف لا تسمح بإقامة خلافة وقد رفعت مبرراتها، فلا يصح المطالبة بشيء زالت معطياته ولم تعد مقوماته متوافرة في ذلك الزمان الذي يعيش فيه. ولديه مقولته الشهيرة: «ستون عامًا بحاكم ظالم خير من يوم واحد بلا حاكم». هذه نظرة واقعية تعتمد على التعامل مع الظروف بشكل نسبي دون مثالية. فقد ذكر في كتبه أنه لا يوجد واقع مثالي، وأن كل شيء نسبي قدر الإمكان، وأن المثالية تكمن في الكليات الذهنية فقط.
ويكرر دائمًا في أجوبته على الأسئلة الأخلاقية التي ترد إليه في عصره أنه يجب أن نقيس الحكم الأخلاقي التطبيقي بمعيار المصلحة العامة؛ فإذا كان النفع أكثر من الضرر أصبح الأمر أخلاقيًا، وإذا كان الضرر أكبر من النفع أصبح الأمر غير أخلاقي، ويجب تجنبه، حتى وإن كان شرعيًا وواجبًا نظريًا في الدين. وذلك لأنه يرى أن الشريعة في المقام الأول جاءت لمصلحة الناس كغاية كبرى، ولابد لنا من أن نكون في صف الشريعة لتحقيق هذه الغاية بالتفاعل مع الواقع بشكل مرن وديناميكي. كما أن هذه الغاية الكبرى المرجوة من الشريعة لا تتحقق نظريًا دون واقع تطبيقي حقيقي يستند إلى معطيات ضرورية توصلنا إلى تحقيق هذه المصلحة العامة المرجوة لخير الناس. فإنه يقول: العدل لا يتحقق بمجرد الإيمان بالشريعة دون المتطلبات الضرورية في التنفيذ، فالعدل لن يتحقق بالإيمان الذهني المثالي بالإسلام، بمعزل عن حقيقة الواقع المتغير الذي يحتاج إلى تفاعل ومعطيات مختلفة للوصول إلى العدل.
ويشدد ابن تيمية على التسليم بنسبية وجود أخطاء وتقصير حتمي في تطبيق العدل نفسه والشريعة ذاتها. فيقول في قانون العدل: «إن الله يقيم الدولة العادلة حتى إن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة». ويضيف أيضًا أن أمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه بعض الإثم والذنوب، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن كان خاليًا من الإثم والذنوب (مجموع الفتاوى، م28، ص 146). هنا ابن تيمية يبدو وكأنه يقول: يجب علينا أن نبدأ من الجزئيات إلى الكليات، من الواقع إلى الذهن، (Bottom-up)، حيث إنه بالمعطيات تتحقق النظريات.
يذكر ابن تيمية في (مجموع الفتاوى، م28، ص146): «وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في بعض أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام». هذه الرؤية الفلسفية الواقعية ضرورية من أجل تقديم المصلحة العامة للوطن والمجتمع مهما كان الاختلاف بين المذاهب والأفكار والعقائد.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :