نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ثوابت الأمن الفكري حصن الأمة ودرعها الواقي, اليوم الأحد 16 مارس 2025 06:29 صباحاً
نشر في الرأي يوم 16 - 03 - 2025
كتبه/ أروى محمد الغامدي
الأمن الفكري هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات المتماسكة، وهو السياج الذي يحمي الأمة من الانحرافات والأفكار الهدامة. إنه ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو واقع معاش يتجسد في سلوك الأفراد والمؤسسات، ويظهر أثره في استقرار المجتمع وتقدمه. ولتحقيق هذا الأمن الفكري المنشود، لا بد من الارتكاز على ثوابت راسخة تشكل بمجموعها منظومة متكاملة تحصن العقول وتقوي الروابط.
من أهم هذه الثوابت توحيد منهج التلقي وتسليم الجميع للنص الشرعي. فالأمة الإسلامية تمتلك مرجعية واضحة تتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهما النبراس الذي يضيء الطريق ويوحد الرؤى. إن توحيد منهج التلقي يعني العودة إلى الأصول النقية، وفهم النصوص الشرعية في ضوء قواعد اللغة العربية ومقاصد الشريعة، بعيدًا عن التأويلات المنحرفة والأهواء المضللة. والتسليم للنص الشرعي هو جوهر الإيمان، وهو الذي يمنح الفرد الطمأنينة واليقين، ويحميه من التردد والحيرة.
قال تعالى: (مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) الأحزاب: 36
قال الشوكاني في معنى الآية انه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله أمراً أن يختار من أمر نفسه ما شاء.
إن التسليم للنص الشرعي لا يعني جمود الفهم أو رفض الاجتهاد، بل يقتضي منهجًا يقوم على التسليم للنص دون أن يكون ذلك على حساب تفعيل العقل في فهمه وتنزيله على الواقع. الفرق الجوهري هنا أن العقل في المنظور القرآني يعمل ضمن إطار النص، وليس فوقه أو خارجه. فكما أن الكون له سنن ثابتة لا تتغير، فإن الوحي هو القاعدة التي تُبنى عليها الرؤية الإسلامية، لا مجرد خيار معرفي بين خيارات أخرى.
الثابت الثاني هو تحصين العقل. العقل هو الأداة التي وهبها الله للإنسان ليميز بها بين الحق والباطل، والخير والشر. وتحصين العقل يعني تنميته بالعلوم النافعة والمعارف الصحيحة، وتدريبه على التفكير النقدي والتحليل المنطقي، وحمايته من الأفكار المتطرفة والشبهات المضللة. إن العقل المحصن هو العقل القادر على التمييز بين الغث والسمين، وعلى اتخاذ القرارات الصائبة في ضوء المبادئ والقيم.
ولقد حث القرآن على التعليم والترغيب فيه وذلك بالدعوة اليه، وبيان فضله، وشرف أهلة. قال تعالى: (يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) المجادلة: 11
الثابت الثالث هو شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه الشعيرة هي صمام الأمان الذي يحفظ المجتمع من الانحلال والانحراف. إنها مسؤولية جماعية تقع على عاتق كل فرد في المجتمع، وهي تعني النصح والإرشاد والتوجيه بالأسلوب الحسن والكلمة الطيبة. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليسا مجرد واجب ديني، بل هما ضرورة اجتماعية للحفاظ على القيم والأخلاق، ولنشر الخير والفضيلة في المجتمع. قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران :104
إن هذه الثوابت الثلاثة تشكل بمجموعها درعًا واقيًا للأمة، وتحصنها من الأخطار التي تهدد أمنها الفكري. إنها ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ راسخة يجب أن تتجسد في واقع الحياة، وأن تكون حاضرة في كل سلوك وتصرف. إن تحقيق الأمن الفكري يتطلب تضافر جهود الجميع، من أفراد ومؤسسات، للعمل على ترسيخ هذه الثوابت في المجتمع، ونشر الوعي بأهميتها، وتفعيل دورها في بناء مستقبل آمن ومزدهر.
كتبه/ أروى محمد آل بنه الغامدي
باحثة دكتوراه جامعة الملك خالد
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :