اليوم الجديد

أوروبا في مواجهة قرارات ترمب الاقتصادية

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أوروبا في مواجهة قرارات ترمب الاقتصادية, اليوم الجمعة 14 مارس 2025 03:49 صباحاً

أوروبا في مواجهة قرارات ترمب الاقتصادية

نشر بوساطة طلحة الأنصاري في الرياض يوم 14 - 03 - 2025


منذ عودته إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة في يناير 2025م؛ أثار دونالد ترمب جدلًا واسعًا بسياساته الاقتصادية والتجارية التي اتسمت بالطابع الحمائي والانعزالي، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان نهجه خلال ولايته الأولى (2017-2021م)، وبينما يرى مؤيدوه أن سياساته تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي وحماية العمالة المحلية، يرى منتقدوه أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تصاعد التوترات التجارية العالمية، وتباطؤ الاقتصاد، وارتفاع مستويات الدين العام.
حرب اقتصادية مفتوحة
أعاد ترمب إحياء سياسته التجارية الحمائية منذ توليه منصبه، مستهدفًا دولًا عديدة عبر فرض تعريفات جمركية جديدة، ما أثار ردود فعل حادة في الأسواق العالمية، وشملت أبرز الإجراءات التي اتخذها فرض تعريفات بنسبة 25 % على جميع الواردات الصينية، مما زاد من حدة التوتر بين أكبر اقتصادين في العالم، وزيادة الرسوم الجمركية على السيارات والصلب والألمنيوم المستورد من أوروبا، مما دفع الاتحاد الأوروبي للتهديد باتخاذ إجراءات انتقامية، إلى جانب إجراءات عقابية ضد المكسيك وكندا، حيث فرضت الإدارة الجديدة تعريفات جديدة على المنتجات القادمة من البلدين، رغم اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (USMCA).
ووفقًا لتقرير صادر عن (بنك التسويات الدولية - BIS)، فإن سياسات ترمب التجارية ترفع درجة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، ما يهدد بتباطؤ النمو العالمي خلال السنوات المقبلة، حيث يؤكد التقرير على أنّ مثل هذه التوترات قد تؤثر على سلاسل التوريد العالمية؛ مما يزيد من مخاطر التضخم ويعيق انتعاش الاقتصادات الكبرى بعد الركود الذي شهدته الأسواق العالمية خلال جائحة كورونا.
الأثر على الأسواق المالية
بالإضافة إلى التداعيات التجارية؛ أثرت سياسات ترمب على الأسواق المالية، حيث شهدت الأسواق موجات من التقلبات بسبب التوترات التجارية والسياسات غير المتوقعة للإدارة الأميركية، ووفقًا ل(وول ستريت جورنال)، فإن مؤشرات الأسهم الأميركية شهدت تقلبات حادة نتيجة تهديدات ترمب بفرض تعريفات إضافية على المنتجات الأوروبية والآسيوية.
من جهته؛ يرى النائب السابق لصندوق النقد الدولي ديزموند لاشمان أن هذه السياسات قد تضعف الثقة في الأسواق الأميركية على المدى الطويل، خاصةً مع تزايد المخاوف من ارتفاع تكاليف الاستيراد، وانخفاض الصادرات الأميركية بسبب إجراءات الانتقام من الدول المتضررة.
وأضاف في مقاله نشرها موقع (بروجكت سينديكيت) أنّ أوروبا، على وجه التحديد، قد تكون من أكثر المناطق تضررًا من هذه السياسات، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الهشة لبعض دول منطقة اليورو.
الفوائد قصيرة المدى
ويعتبر مؤيدو ترمب أن سياساته الاقتصادية ستعزز النمو المحلي من خلال زيادة الاستثمارات الداخلية وتقليل الاعتماد على الواردات، وبالفعل، أظهرت بعض المؤشرات الاقتصادية تحسنًا في الوظائف، وانخفاضًا طفيفًا في معدلات البطالة في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، ولكن على الجانب الآخر، يحذر بعض الخبراء من أن هذه الفوائد قد تكون قصيرة الأجل، ففرض تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج والاستهلاك، مما يرفع معدلات التضخم ويضغط على القدرة الشرائية للمستهلكين، كما يسهم تخفيض الضرائب أحد الركائز الأساسية في سياسات ترمب الاقتصادية في تراجع إيرادات الحكومة الفيدرالية، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم العجز المالي ودفع الدين العام الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة، ومع ارتفاع هذا الدين، تتزايد المخاوف بشأن قدرة الاقتصاد الأميركي على تحمله في ظل استمرار الإنفاق الحكومي المرتفع.
إضافة إلى ذلك، فإن حالة عدم اليقين التي خلّفتها سياسات ترمب وتغيير قواعد اللعبة الاقتصادية، جعلت الشركات الدولية أكثر ترددًا في ضخ استثمارات جديدة داخل الولايات المتحدة، ووفقًا لتقرير نشرته (فاينانشال تايمز)، فإن العديد من المستثمرين أصبحوا أكثر حذرًا، ما قد يؤدي إلى تباطؤ تدفق رؤوس الأموال الأجنبية، وهو ما يتناقض مع أهداف ترمب في تعزيز التصنيع الأميركي وتقوية الاقتصاد المحلي، وبذلك، قد يجد الاقتصاد الأميركي نفسه أمام معضلة حقيقية؛ فمن جهة، تحقق هذه السياسات مكاسب آنية تتمثل في حماية بعض القطاعات الصناعية وخلق فرص عمل مؤقتة، لكنها من جهة أخرى تزرع بذور تحديات طويلة الأمد قد تؤثر على الاستقرار المالي والنمو المستدام للولايات المتحدة.
أزمة أوروبية تلوح في الأفق
لطالما كانت أوروبا هدفًا رئيسا لسياسات ترمب التجارية، إذ يرى أن الاتحاد الأوروبي يستغل التجارة مع الولايات المتحدة لصالحه على حساب العمالة الأميركية، وهو ما دفعه إلى فرض رسوم جمركية مشددة على عدد من السلع الأوروبية، مهددًا بتوسيع نطاقها مستقبلًا، وجاءت هذه الرسوم في وقت تعاني فيه الاقتصادات الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، من تحديات مالية واقتصادية متراكمة، ما يجعلها أكثر عرضة للاضطرابات الناجمة عن السياسات الحمائية الأميركية، حيث تعيش ألمانيا التي تعد أكبر الاقتصادات الأوروبية حالة تباطؤ اقتصادي واضح، خاصة في قطاعي التصنيع والصادرات، اللذين يشكلان العمود الفقري لنموها، وبحسب بيانات (معهد Ifo الألماني للبحوث الاقتصادية)، فقد سجل قطاع الصناعة الألماني انكماشًا ملحوظًا بسبب اضطراب سلاسل التوريد وتراجع الطلب العالمي، لا سيما من الصين والولايات المتحدة، وتهدد سياسة ترمب التجارية بشكل مباشر قطاع السيارات الألماني، الذي يعتمد على التصدير إلى السوق الأميركية، حيث تسهم الشركات الألمانية الكبرى، مثل بي إم دبليو ومرسيدس وفولكس فاجن، بحصة كبيرة من مبيعات السيارات في الولايات المتحدة، وقد حذر المدير التنفيذي لشركة سيمنز إنرجي ماركوس كريبر في تصريح ل(صحيفة دير شبيغل)، من أن استمرار السياسات الحمائية الأميركية قد يؤدي إلى (تضرر الصناعات الألمانية بشكل لا يمكن تعويضه على المدى القريب)، مشيرًا إلى أن تراجع الصادرات قد يجبر الشركات على تسريح العمالة وتقليل الاستثمارات.
فرنسا وإيطاليا وأزمة الديون
ووضع ألمانيا لا يختلف كثيرًا بالنسبة لفرنسا وإيطاليا، فكلتاهما تعانيان من ارتفاع معدلات الديون السيادية، التي تفاقمت بفعل سنوات من العجز المالي والإنفاق العام غير المستدام، ووفقًا لتقرير نشرته (المفوضية الأوروبية)، فقد تجاوز الدين العام الفرنسي 110 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين قفز الدين الإيطالي إلى أكثر من 140 %، وهي نسب تقترب من المستويات التي شهدتها اليونان قبل أزمتها المالية في 2010م، وتتزايد المخاوف من أن يؤدي التصعيد التجاري مع الولايات المتحدة إلى تفاقم الأزمة المالية في هذين البلدين، خاصة إذا ما أضيفت إلى عوامل أخرى مثل تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الفائدة في منطقة اليورو.
وفي هذا السياق، كشف كبير الاقتصاديين السابق في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لورانس بون أن فرض تعريفات أمريكية على المنتجات الأوروبية سيضع حكومات مثل فرنسا وإيطاليا في موقف حرج، حيث ستضطر إما إلى دعم الشركات المتضررة بإنفاق عام إضافي، ما يزيد من العجز المالي، أو ترك الشركات تواجه الانكماش بمفردها، ما قد يؤدي إلى ارتفاع البطالة واضطرابات اجتماعية.
شبح الأزمة اليونانية
ولم تعد المقارنات مع أزمة الديون اليونانية في 2010م مجرد تكهنات، بل أصبحت سيناريو محتملًا إذا ما استمرت الضغوط الاقتصادية على أوروبا، وفقًا لمقال نشرته صحيفة (فاينانشال تايمز)، فإن أزمة الديون السيادية قد تعود مجددًا إلى القارة العجوز، لكن هذه المرة قد لا تقتصر على دولة واحدة، بل قد تشمل قوى اقتصادية كبرى مثل إيطاليا وفرنسا؛ مما يجعل تأثيرها أكثر اتساعًا وخطورة على النظام المالي العالمي، حيث حذر النائب السابق لمدير صندوق النقد الدولي ديزموند لاشمان من أن تعثر اقتصاديات رئيسية مثل فرنسا أو إيطاليا قد يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة اليورو بأكملها، مما قد يتسبب في أزمة مالية عالمية على غرار ما حدث في 2008م، ولكن بأسلوب مختلف.
حرب تجارية مع الصين بلا نهاية
في المقابل تستمر الحرب التجارية بين بكين وواشنطن في التصاعد، حيث تبادلت الدولتان فرض تعريفات جديدة، وعلى الرغم من أن الصين لا تزال تسجل معدلات نمو إيجابية، إلا أن التوترات التجارية دفعت المستثمرين للبحث عن أسواق بديلة، كما أدى تراجع الطلب الأميركي على المنتجات الصينية إلى تباطؤ في صناعات رئيسة مثل الإلكترونيات والصلب.
ماذا بعد؟
مع استمرار نهج ترمب الاقتصادي، تبقى العديد من التساؤلات مطروحة حول مستقبل الاقتصاد العالمي، هل ستتمكن الدول المتضررة من مواجهة السياسات الحمائية الأميركية؟ وهل ستؤدي هذه السياسات إلى اندلاع أزمة اقتصادية عالمية؟ وهل سيقود ترمب الاقتصاد العالمي نحو الازدهار، أم أنه يدفعه نحو أزمة جديدة لا تقل خطورة عن الأزمة المالية للعام 2008م؟

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار متعلقة :