نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهبَّة, اليوم الجمعة 14 مارس 2025 02:51 صباحاً
نشر بوساطة عبد الله عوض القرني في الرياض يوم 14 - 03 - 2025
في لهجتنا المحلية المغرقة في الخصوصية تدلّ لفظة (الهبَّة) على معنى الانتقاص، أو الخلل العقلي الذي يناقض الاتزان ورجاحة العقل، فيقال:(فلان هبَّ الله عليه) أو (جاته هبّه)، وقد يوصف بهذا الوصف شخصٌ متسرّعٌ لا يضع الأمور في نصابها الصحيح، ولكنّ هذه المفردة متداولة حاليّاً في أوساطنا الاجتماعية بمعنىً آخر، قد يبدو بعيداً عن الاستخدام القديم المحلّي، إذْ تستخدم بمعنىً مرادفٍ ل(الموضة، أو التقليعة، أو الصيحة) وكل هذه الملفوظات تندرج تحت إطار التقليد، والاندفاع، ومجاراة الغير، وربما السير بلا غايةٍ، أو على غير هدى، فما أن يشتهر منتجٌ معيّن، إلا وتجد الجموع بمختلف فئاتها ومستوياتها الاجتماعية ، والمادية، قد (هبَّتْ) زرافات ووحدانا للظفر بهذه التقليعة الجديدة، وألزم الكثير من الناس نفوسهم ما لا يلزم، مهما كانت الظروف والقدرات، وبغض النظر عن مدى حاجتهم الفعليّة لهذا الشيء من عدمه، فتسري هذه الموضة في أوساط الناس سريان النار في الهشيم، فلم يعد مستغرباً أن ترى الطوابير المنتظمة في مسافات طويلة رجالاً -على أرجلهم، أو ركباناً بمركباتهم- وهم ينتظرون دورهم في الظفر بهذا المشروب، أو في الدخول إلى هذا المتجر، أو في الحجز على هذا الموقع، ولو أمعن المتأمل في هذه الطوابير نظره، ومنح عقله شيئاً من الأناة والتدبر، لأدرك بما لا يدع مجالاً للشك أنّ هذه الجموع (الهابّة) قد أسرتهم موضة الاستهلاك، واحتنكتهم أهواء التقليد الأعمى، ومحاكاة الأغلبية!! وربما تتجاوز هذه (الهبة) تلك الرغبات الاستهلاكية عند هؤلاء الجماهير، أو أولئك العملاء إلى التقليد في غير مجالات الاستهلاك، فالتقليعات والموضات طالت مظاهر اللبس والأزياء، وقصات الشعر، وملامح الوجه، والمركبات، والأفكار التجارية، وحتى موضات السفر والسياحة، وقد تصل الموضة إلى تقليد الكلام والأفكار والمواقف، فنجد بين حين وآخر (هبةً) فكرية تجتاح المجتمع وتسيطر على الوجهة العامة ، وقد تسري في أوساط بعض الفئات العمرية اهتمامات إطلاع وقراءةٍ محددة، أو تأسرهم مشاهداتٌ سينمائية ذات طابعٍ خاص، فهل ينطوي الشخص على نفسه وينكفئ في عزلته لكي ينأى بها عن طوفان الموضات؟ باعتباره شخصاً مستقلاً يُفترض أنْ تكون له اهتماماته الخاصة، واحتياجاته التي تناسبه، ورغباته التي لا تعني سواه ، أم يكون كائناً اجتماعياً بفطرته -كما يقول عالم الاجتماع الشهير (ابن خلدون) في مقدمته- فيؤثر ويتأثر، ويتفاعل مع الوسط المحيط ، ويغيب وسط الجموع العامة، وربما انطبق عليه المثل الشعبي (مع الخيل يا شقرا).
في الواقع أننا أمام قضيتين رئيستين في هذا الجانب أولاهما: الدافع لنشوء هذه التقليعات والثانية سهولة انجراف الأغلب الأعم خلف هذه الموضات والصيحات. فأما الأولى فلا شك أن الأهداف المادية الربحية والاستثمارية تكمن ورائها، مستغلةً وسائل النشر والدعاية الرائجة، وما أكثرها. وأما الثانية فتعود بلا شك إلى مستوى الوعي الفكري والثقافي على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، ولكن ما الموقف المثالي في نهاية الأمر من موجة الموضات والهبات؟، ربما لن يجدي تحديد موقفٍ ما، طالما الأمور طيبة، فلنستعذْ بالله من (فتنة المسيح الدجال).
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
أخبار متعلقة :