نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المواهب الحرة بين الحلم والواقع, اليوم الاثنين 25 أغسطس 2025 06:50 صباحاً
نشر في البلاد يوم 25 - 08 - 2025
في عالم الأعمال الحديث، حيث تتسارع المتغيرات التقنية وتضيق هوامش الربح وتزداد ضغوط المرونة، لم يعد غريبًا أن تحتل المواهب الحرة- أو ما يُعرف بالموظفين المستقلين- مساحة متزايدة من تفكير رواد الأعمال وصانعي القرار. وقد استوقفتني مؤخرًا حلقة من بودكاست "HBR on Strategy" بعنوان"الميزة الإستراتيجية للاستعانة بالمستقلين"، والتي كانت أشبه بعدسة مكبرة لما يجري حولنا من تحولات صامتة ولكن مؤثرة.
في هذه الحلقة، استعرض مؤلفا كتاب"المواهب المفتوحة" رؤيتهما حول كيف يمكن للمنظمات الحديثة الاستفادة من شبكة عالمية من العقول والخبرات لحل أعقد التحديات دون الحاجة إلى التوظيف التقليدي. كانت أطروحتهما مقنعة، وموثقة بأمثلة وتجارب من الواقع، تؤكد أن القوى العاملة لم تعد محصورة بجغرافيا المكتب ولا بقيود الدوام، بل أصبحت ممتدة بلا حدود، تتيح لأصحاب المشاريع الوصول إلى خبراء من مختلف أنحاء العالم.
لكن وبصدق، وبعيدًا عن التنظير المثالي، فإن تجربتي الشخصية مع المستقلين تضعني بين مدرستين؛ الأولى ترى أن الموظف الدائم هو العمود الفقري للعمل، لأنه يعيش داخل روح المؤسسة ويعرف تفاصيلها ويمر عبر قنواتها الرسمية، ويمكن العودة إلى مديره المباشر إن احتجنا، وهي نقطة غاية في الأهمية في إدارة الفرق وتقييم الأداء. أما المدرسة الثانية، والتي بدأت تنمو أكثر لدى الجيل الجديد من رواد الأعمال، فترى في المستقلين فرصة لتقليل التكاليف وتسريع الإنجاز، خصوصًا في المجالات التقنية، حيث تنتشر هذه الفئة بكثرة وتبدو جذابة من حيث المرونة وسرعة الإنجاز.
ومع أنني استعنت بمستقلين في عدة مشاريع، خصوصًا في تصميم التطبيقات وتحليل البيانات، ونجحت أحيانًا، فإنني في أحيان أخرى وجدت أن الاعتماد عليهم قد يكون محفوفًا بالصعوبات. فالوصول إليهم أحيانًا صعب، والانضباط لديهم متفاوت، والتواصل لا يخلو من التحديات. هذه ليست قاعدة مطلقة، ولكنها تجربة واقعية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التفكير في هذا النموذج.
رغم ذلك، لا أنكر أن الحلقة فتحت عيني على إمكانيات أوسع: إذا استطاعت الشركات أن تبني ثقافة واضحة وأنظمة متابعة ذكية، فإنها ستستطيع فعلاً أن تحوّل المستقلين إلى حلفاء إستراتيجيين. الفكرة ليست أن تستبدل الفريق الداخلي بفريق خارجي، بل أن توسّع طاقتها وقدرتها من خلال شبكة مرنة من العقول المتخصصة تُستدعى في الوقت المناسب. فالشركات اليوم لا تحتاج إلى جيوش من الموظفين، بل إلى نخبة من العقول المناسبة في اللحظة المناسبة.
أؤمن أن المستقبل المهني سيتشكل عبر مزيج ذكي بين الانتماء الداخلي والموهبة الخارجية. وسيفوز أولئك الذين يفهمون كيف يصنعون هذا التوازن، ويحوّلون التحدي إلى ميزة، والمستقل من عامل خارجي إلى شريك في النجاح.
0 تعليق