الشحاذة بالشعر!

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشحاذة بالشعر!, اليوم الجمعة 15 أغسطس 2025 04:18 صباحاً

الشحاذة بالشعر!

نشر بوساطة عبد الله بن محمد العمري في الرياض يوم 14 - 08 - 2025

2146018
لا أستطيع أن أتناول الفكرة قبل أن أعتذر وبكل خجل عن هذا العنوان، والذي كنت أود أن أستبدله بالتكسب بالشعر، ولكن العنوانين يحيل كل منهما إلى موضوع مختلف، ولذلك كان لا بد أن يكون هذا العنوان، فهو المتداول والمطروح، وقبل أن أناقش هذا الموضوع لا بد أن أشير إلى أنني ناقشت الموضوع مع الأستاذ عبدالله الحسني أثناء إحدى الندوات، وكنت حريصاً على معرفة رأي مثقف بحجم الحسني حول هذا الموضوع، ولكن لم يسعفنا الوقت، وظل الموضوع عالقاً بين المقالات والارتباطات.
عَلقتُ الموضوع ولكن دون أن يفتر إلحاحه على نفسي، فالموضوع جدير بالتناول خصوصاً من متخصص في علم الاجتماع، أدبيه وثقافيه وأسريه وإعلاميه، ومشغول بالشعر والأدب قراءة وكتابة ونقداً، فالموضوع يُعنى بنظرة اجتماعية من جوانبها الأدبية والثقافية والإعلامية ولا ينفصل عن جانبها الأسري الذي يؤثر على الأسرة عندما يوصم أحد أفرادها بأنه دخل في دائرة التكسب بما يسمى «الشحذة» من خلال بعض ما يكتبه شعراً. وحتى لا نكون مثاليين فلا بد أن نشير إلى أن العرب في فترة من فتراتهم الثقافية زهدوا في الشعر عندما اتجه الشعراء للتكسب بشعرهم واتجهوا إلى النثر فنشط النثر العربي، ولكن عاد العرب إلى ديوانهم الأصيل، وتقبلوه بكل أغراضه ووظائفه، واستوعبوا ملكات قائليه وأهميتهم الاجتماعية والثقافية وقوة السلاح الذي يحملونه بين فكيهم وشلال مشاعرهم وإلهامهم، وأخذ الشعراء حقهم ومساحتهم المستحقة في تاريخ العرب بآدابهم المختلفة، وعادت القبيلة لتحتفل عندما يظهر فيهم شاعر، وقد بلغت ذروة تكريم الشعراء عندما منح الرسول عليه الصلاة والسلام بردته لكعب بن زهير بعد أن أنصت لقصيدته التي ألقاها بين يديه عليه الصلاة والسلام (قصيدة البردة)، هذا التكريم جاء ليجعل من هذا السلوك في منح الشاعر؛ علامة كرم نفس وكرم يد وتقدير للشعر والشاعر، فلا مجال بعد هذا التكريم أن نوصم من يُمنح مقابل شعره «بالشحاذة»، فالشعر سلعة ثمينة عند العرب، وتكريم الشعراء تكريم لأعلى مستويات الأدب عند العرب. الشاعر منحه الله سبحانه وتعالى ملكة القول، وعندما يكرمه من يملك المال فهذا هو الطبيعي في العلاقة، فهي سلع تقايض ببعضها دون عرض أو طلب وإنما بحسن تصرف وكياسة وتقدير وعفوية ومن منطلق ثقافة ممتدة.
وليس الشعر وحده فهناك ملكات ومواهب يعطى صاحبها مقابل لها تختلف باختلاف الثقافات والمجتمعات، ففي دول مختلفة نجد أن هناك من يجلس على قارعة طريق أو وسط ميدان شهير أو غير شهير أو في ممرات محطات القطارات، ويضع أمامه وعاء ويجلس هو أو يقف ممسك بآلة موسيقية أو متقمص لشخصية لافتة ليقدم للناس مهارته في العزف أو في تجسيد شخصية معينة، وليقوموا هم بدورهم بوضع ما تجود به أنفسهم في هذا الوعاء!
فهل نسمي هذه «شحاذة»!
إنها أشياء مقابل أشياء، فالله مقسم الأرزاق والملكات والمواهب، ولو طاوعنا القاعدة التي تستعيب بعض الأمور لبقينا عالقين في رأي وقناعات ماضية، ولن يكون هناك معلم في مدرسة يتقاضى أجرًا أو إمامًا أو معلمًا في حلقة لتعليم القرآن يُمنح مكافأة؛ لأن العرب كانت في مرحلة ثقافية من مراحلها ترى أن التكسب بتعليم الناس المعارف المختلفة أو بتعليم القرآن للناس؛ نقص ومذمة ونزول عند أطماع دنيوية!




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق