نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عوادم الطرق.. جريمة صامتة, اليوم الجمعة 30 مايو 2025 12:14 صباحاً
نشر بوساطة محمد الحيدر في الرياض يوم 29 - 05 - 2025
الشارع ليس مجرد ساحة لمرور المركبات وعبور المشاة، بل هو فضاء عام تتجلى فيه قيم الحضارة الإنسانية وأصالة المجتمعات، بل مرآة عاكسة لمدى احترام الفرد لذاته وللآخر، ولمدى وعيه بالمسؤولية المشتركة تجاه البيئة والمحيط، وعندما تهتز هذه الحرمة، وتُداس القيم، يصبح الشارع بؤرة للتلوث والفوضى، وتتلاشى فيه مفاهيم الأمان والتحضر، فما نراه اليوم من انبعاثات خانقة من عوادم السيارات والدخان الكثيف المتصاعد منها، خاصة من مركبات النقل الثقيل، ليست مجرد مشكلة بيئية عابرة، بل هي جريمة صامتة تُرتكب في حق صحة المجتمع وسلامة بيئته، فهذه الأدخنة السامة، التي تغلف الأجواء وتُلحق أضراراً بالغة بالجهاز التنفسي وصحة الإنسان، ليست سوى غيض من فيض لسلوكيات أوسع نطاقًا تهدم أسس التحضر، فالقيادة المتهورة، وتجاوز الحارات المرورية دون إشارات، وعدم الالتزام بأولوية السير، ليست مجرد مخالفات مرورية؛ إنها إعلان صريح عن غياب الوعي واللامبالاة، تُضاف إليها الإشارات الخارجة عن اللياقة المتبادلة بين السائقين، وإلقاء المخلفات العشوائية من زجاجات مياه وأكياس سندويشات، وتفريغ طفايات السجائر في الطرقات، وكلها مظاهر تنم عن فقدان الاحترام للمكان العام وللمارة، هذه الأفعال، على بساطتها الظاهرية، تترك أثرًا عميقًا في تشكيل الوعي الجمعي، وتحول الشارع من فضاء مشترك إلى ساحة فوضى.
هذه العوادم تحديداً، إلى جانب تلك الممارسات السلبية، تستوجب تدخلاً حاسماً وفورياً من قبل أجهزة المرور، لا يكفي أن تكون هناك قوانين وأنظمة، بل يجب أن يكون هناك تفعيل حقيقي وملاحقة فورية للسيارات التي تُطلق هذه السموم في أجوائنا، فإيقاف هذه المركبات على الفور وتطبيق أقصى العقوبات عليها هو أمر لا يحتمل التأجيل؛ فصحة مجتمعنا وبيئتنا لا يمكن المساومة عليها. فالتشريعات وُجدت لتُنظم الحياة، ولتُحقق العدالة والأمان، ولا يمكن تحقيق ذلك دون تفعيلها بقوة وحزم، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الصريحة للصحة العامة كالانبعاثات الضارة.
وفي المملكة يمثل قطاع النقل حوالي 26 % من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة، مع كون الانبعاثات لكل فرد أعلى بكثير من المتوسط العالمي، كما تصنف دول مجلس التعاون ضمن أكبر الدول من حيث نصيب الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، حيث تساهم مجتمعة بنسبة 3.08 % من إجمالي الانبعاثات العالمية في عام 2020، وتأتي المملكة في المقدمة بنسبة 1.8 %، وهذه الأرقام تُبرز التحدي الكبير أمام دول الخليج، لكنها في الوقت نفسه تدفعها لتبني مبادرات طموحة مثل «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر»، بهدف تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتعزيز الطاقة المتجددة وتنويع الاقتصادات.
وإلى جانب الحزم في تطبيق القانون، تبرز ضرورة التوعية المجتمعية فيجب أن نغرس في الأجيال الناشئة وفي وعي السائقين مفهوم «أحقية المشاة» في العبور الآمن، وأن الشارع ليس ملكًا للمركبات فقط، بل هو فضاء يتشاركه الجميع، فما أجمل أن تُبنى ثقافة الاحترام المتبادل بين السائق والمشاة لأنها حجر الزاوية لتحقيق شارع آمن ومتحضر.
في الدول الغربية، تُعامل هذه المخالفات بقدر كبير من الجدية والصرامة، وتُصنف ضمن ما يُعرف ب»المخالفات المرورية وسلوكيات الطريق»، فالأنظمة القانونية هناك تهدف إلى تحقيق أمرين رئيسيين، السلامة العامة والحفاظ على البيئة. هناك فحوصات دورية صارمة للانبعاثات للمركبات، والسيارات التي تتجاوز المستويات المسموح بها من الملوثات لا تُمنح تصاريح سير، وقد تُفرض عليها غرامات كبيرة أو يُطلب إصلاحها، وفي بعض المدن الكبرى، توجد مناطق منخفضة الانبعاثات تُمنع فيها المركبات القديمة أو التي تُصدر انبعاثات عالية من الدخول إليها، أو تُفرض عليها رسوم إضافية، مما يؤكد على جدية التعامل مع هذه المشكلة.
الأنظمة في الغرب لا تكتفي بفرض العقوبات، بل تركز أيضًا على التوعية المستمرة من خلال حملات إعلانية وتثقيفية، وإعادة تأهيل السائقين المخالفين من خلال دورات تدريبية إلزامية، فالهدف الأسمى هو غرس ثقافة القيادة المسؤولة والاحترام المتبادل بين جميع مستخدمي الطريق.
إن السعي نحو شوارع أكثر تحضرًا وأمانًا ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة حتمية لمجتمعات تتطلع إلى التقدم والازدهار. فليكن الشارع، بحرمته ونظافته، عنوانًا لمجتمع راقٍ وواعٍ، يبدأ بتحرك فوري وحاسم لوقف سموم العوادم التي تخنقنا، وصولاً إلى بناء ثقافة احترام شاملة للمكان والإنسان.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق