بين خالد وغازي من يعرّف الآخر؟

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين خالد وغازي من يعرّف الآخر؟, اليوم السبت 24 مايو 2025 04:02 مساءً

بين خالد وغازي من يعرّف الآخر؟

نشر بوساطة الصادق جاد المولى في الوطن يوم 24 - 05 - 2025

1165611
في أمسية شعرية أقيمت في لندن عام 1992، تقدم الدكتور غازي القصيبي إلى المنصة، وأمام جمهور النخبة قال جملة واحدة: «هذا خالد، وفي الشعر لا يُعرّف خالد». لم تكن العبارة مقدمة، كانت موقفًا.
الرجلان وُلدا في العام نفسه، وكتبا الشعر في اليوم نفسه، وتقاطعت خطواتهما عند المفارق الكبرى في مسيرة الوطن، أحدهما حمل الوزارات على أكتافه، والآخر رسم معالم التنمية في الجنوب، ثم قاد الحراك الثقافي والاجتماعي والتنموي في مكة. كان لكل منهما قامته، وكل منهما حافظ على خطه المستقيم وسط ازدحام المنعطفات.
كتب غازي القصيبي سيرته بروح الشاهد، لا بروح المتفاخر، فكل فقرة في «حياة في الإدارة» تحمل نبرة رجل واجه الحياة بعينين مفتوحتين. أما صاحب السمو الملكي والشعري الأمير خالد الفيصل فقد كان يكتب الشعر كما يُعاد ترتيب الذاكرة الوطنية، لا يجامل ولا يكرر، فلغته تنطلق من بيئة تعرف الصخر والرماد والظل الطويل، وقصيدته تمشي على الأرض وتبقى في السماء.
وعلى الرغم من كل هذا الألق، فإن العلاقة بينهما لم تكن صوتًا عاليًا، لكنها واضحة، كل منهما يعرف الآخر دون حاجة إلى شرح، لم يسعَ أحدهما إلى تصدر المشهد، ولم يحاول أحدهما احتواء الآخر، كان اللقاء بينهما بسيطًا في ظاهره، عميقًا في أثره، نقيًا من التزييف، فعندما تحدث غازي عن خالد لم يستخدم الألقاب ولم يعدد المناصب ولا الإنجازات، اكتفى باسم وترك للمستمع أن يتتبع الباقي في المعنى، وفي ذلك التقديم لم تكن الكلمات مقصودة لذاتها، بل كانت إشارة إلى مكانة لا تتطلب زينة.
لا نجد في التسجيلات قصائد مطوّلة لكل منهما في الآخر، ولا خطبًا متبادلة، ومع ذلك ظل حضور كل واحد منهما في ذاكرة الآخر صامتًا ومضيئًا، وخالد لم يكتب مرثية عند رحيل غازي، لكنه لم يحتج إلى ذلك، فمواقفه السابقة كانت كافية، وغازي لم يكتب ديوانًا يحمل اسم خالد لكنه حين ذكره أمام الناس فعل ما لا تفعله دواوين كاملة.
حين نراجع ذلك المشهد نجد أنفسنا أمام لحظة تلخّص أكثر من علاقة شخصية، كانت صورة مصغّرة لزمن يحترم الكلمة ويقدّر القيمة، لا شيء فيه مسرحي، ولا شيء متصنّع.
خالد الفيصل وغازي القصيبي لم يتشابها في كل شيء، لكنهما اجتمعا على أشياء لا تُشترى:
حب الوطن، صدق اللغة، وتلك الكرامة التي لا يُعلن عنها، بل تُمارس، ومع أن الزمن تغيّر كثيرًا لكن صوت غازي وهو يقول «هذا خالد» لم يفقد طاقته، الاسم لا يزال كما هو بكامل ألقه ووهجه، والموقف لا يزال دليلا على نوع خاص من العلاقات، حين يكون التقدير أكبر من كل ما يُقال.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق