اللغة تبكي قتلاها

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اللغة تبكي قتلاها, اليوم السبت 3 مايو 2025 12:17 مساءً

اللغة تبكي قتلاها

نشر بوساطة فيصل مرعي الكثيري في الوطن يوم 03 - 05 - 2025

alwatan
مات أحد شباب تيك توك في مصر، لا بطعنة خنجر، ولا برصاصة غادرة، بل مات مسموما بسخرية مجتمع، أصيب بمتلازمة القلب المكسور بعد أن سخرت منه جموع لا تحسن التمييز بين الضحك والإعدام المعنوي.
والمأساة أن ذنبه الوحيد كان إحياءه للغة العربية الفصحى، وإلقاؤه أبياتا من الشعر والنصح!!
ها نحن أمام لوحة فاضحة لعوار هذا العصر؛ جيل يسخر ممن يتحدث بالفصحى، ويطرب للعُري اللفظي والانحطاط العقلي، حتى صرنا كقوم يتبرأون من ألسنتهم كما يتبرأ الجاهل من نسبه، فيفضح نفسه قبل أن يفضح خصمه!
أي ثقافة هذه التي ترى الشعر خطيئة، وترى الوقاحة بطولة؟ أي ذوق سقيم يستهجن البيان ويرحب بالهذيان؟!
لو أن الأمر اقتصر على فرد أو اثنين لهان الخطب، لكن مصر كلها سخرت منه كما قيل! وكأن الأمة التي أنجبت طه حسين والعقاد وأم كلثوم، تحالفت فجأة على إعدام شاعر صغير الحلم، كبير النفس.
العذر الجاهز الذي يلوكه السذج هو: «كان مضحكًا»!
كلا أيها القوم... كان مختلفًا. والجاهل بطبعه عدو ما يجهل؛ إذا رأى سموا نفر، وإذا لمح بيانا ارتعب، وإذا صادف من يفوقه أخلاقًا أو علمًا سعى لتحطيمه، كما تحطم الرياحُ مرآة تعكس قبحها.
من سخرتهم الفصحى حتى خنقوا قائلها، يشبهون رجلا دخل حديقة تفيض بالأزهار، فلما عجز عن فهم جمالها داسها بحذائه مدعيا أنها نكتة. وهكذا المجتمع الكسول، لا يحتمل من يذكره بأن العُلوّ ممكن.
ليست مأساة هذا الشاب وحده، بل مأساة مجتمع اختار أن يصطف مع الساخر لا مع الأدب واللغة، مع الهابط لا مع الراقي، مع الضجيج لا مع البيان.
لقد مات صاحب القلب المكسور، ولكنّ الذين كسروه هم الموتى الحقيقيون؛ ماتت فيهم الفروسية، والنخوة، والغيرة على اللغة، وعلى الإنسان.
السخرية القاتلة جريمة لا تقل وحشية عن طعنة السكين. والأمة التي تقتل شعراءها، لن تُنجب إلا قوادين في السوق وسماسرة في الحانة!
فإما أن نعيد الاعتبار للغة وللأدب وللشرف النفسي، وإما أن نستعد لأن نُساق جميعًا إلى مذبح الرداءة، واحدا تلو الآخر.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




أخبار ذات صلة

0 تعليق