نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: عصر الإعلام في زمن التحليل التنبؤي, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 01:05 صباحاًعصر الإعلام في زمن التحليل التنبؤي نشر بوساطة م هاني الغفيلي في الرياض يوم 29 - 04 - 2025 في عالم أصبح فيه التنافس على انتباه القارئ أكثر شراسة من أي وقت مضى، تحولت المؤسسات الإعلامية إلى استخدام التحليل التنبؤي كوسيلة لفهم وتوجيه سلوك الجمهور، فلم تعد المسألة مجرد نشر الخبر وانتظار التفاعل، بل أصبحت رحلة عميقة تبدأ بتجميع بيانات القارئ ومراقبة سلوكياته بدقة، لتحليلها وتوقع خطواته القادمة، في مشهد يعيد تعريف العلاقة بين الإعلام والمتلقي جذريًا. التحليل التنبؤي يعتمد على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، لذا فالجهات الإعلامية (الناجحة) لا تراقب فقط المواد المقروءة، بل تدرس المدة التي يقضيها القارئ على كل فقرة، ونوعية المواضيع المفضلة لديه، وأوقات نشاطه، وحتى طريقته في التفاعل مع الصور والعناوين.في المملكة، أشارت دراسة للهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع عام 2024 إلى أن 67 % من المؤسسات الإعلامية الرقمية تعتمد على أدوات تحليل بيانات متقدمة لفهم جمهورها، وعالميًا، أصبحت البيانات الضخمة صناعة قائمة بذاتها، فوفق تقرير صادر عن Statista عام 2024، بلغ حجم سوق البيانات الضخمة حول العالم 400 مليار دولار، ويتوقع أن يتضاعف بحلول 2030.في مجال الإعلام، يشير معهد رويترز لدراسة الصحافة إلى أن 60 % من غرف الأخبار الكبرى تمتلك الآن وحدات متخصصة لتحليل البيانات وسلوك القارئ، مما يؤكد أن التحليل التنبؤي لم يعد ترفًا بل ضرورة استراتيجية للبقاء والمنافسة.هذا التحول أدى إلى ظهور نمط جديد من الإعلام يُعرف بالإعلام الشخصي أو المخصص، حيث يتم تقديم الأخبار والمواد بناءً على تفضيلات كل مستخدم بشكل فردي عبر خوارزميات تدرس سجل التصفح والقراءة الخاص بالقارئ لتقديم محتوى مصمم خصيصًا له، وتقرير صادر عن Gartner عام 2023 أشار إلى أن 75 % من المستهلكين يشعرون أن المحتوى المخصص يجعلهم أكثر ارتباطًا بالمنصة، مما يزيد من ولائهم وتفاعلهم.لكن هذا التقدم التكنولوجي يثير أسئلة أخلاقية معقدة تتعلق بالخصوصية والمراقبة، فالتتبع الدقيق لسلوك القارئ قد يتحول بسهولة إلى شكل من أشكال انتهاك الخصوصية إذا لم يتم بإذن صريح وواضح، وسلوكنا الحالي يؤكد أننا لا نقرأ شروط الاستخدام المتعلقة بجمع البيانات، وهذا السلوك يؤكده دراسة جامعة أكسفورد عام 2023 والتي أظهرت أن 68 % من المستخدمين لا يقرؤون الشروط، مما يفتح الباب أمام استغلال البيانات بطرق قد لا يوافق عليها المستخدمون لو كانوا على علم بتفاصيلها.في المملكة، أدركت الحكومة هذه الإشكالية مبكرًا فأصدرت "نظام حماية البيانات الشخصية" الذي دخل حيز التنفيذ عام 2023، ليكون أول إطار نظامي متكامل لتنظيم عمليات جمع ومعالجة البيانات، ويلزم المؤسسات بالحصول على موافقات شفافة ومحددة من الأفراد. هذا التوجه يعزز من بناء الثقة الرقمية ويضع السعودية في مقدمة الدول الساعية لضبط التعامل مع البيانات الضخمة بما يتماشى مع رؤية 2030 للتحول الرقمي الآمن والمستدام.إلى جانب الجانب الأخلاقي، هناك مخاوف أخرى تتعلق بتأثير التحليل التنبؤي على تنوع مصادر المعلومات، حين تقوم الخوارزميات بتقديم محتوى يتماشى مع ميول القارئ فقط، قد يؤدي ذلك إلى تعزيز "فقاعات المعلومات"، حيث لا يتعرض المستخدم إلا للأفكار التي تتفق مع معتقداته، مما يحد من فرص الحوار الفكري والتنوع المعرفي، فتقرير صادر عن مركز بيو للأبحاث عام 2023 أكد أن 55 % من الأميركيين يحصلون على أخبارهم من مصادر تتفق مع آرائهم فقط، وهي نسبة ترتفع مع الاستخدام المكثف للخوارزميات التنبؤية.في مقابل هذه التحديات، حقق التحليل التنبؤي فوائد لا يمكن تجاهلها، المؤسسات الإعلامية أصبحت أكثر قدرة على تقديم محتوى يلبي احتياجات جمهورها، مما زاد من معدلات التفاعل والإيرادات، كما أصبح بإمكان المؤسسات الناشئة المنافسة بفاعلية في سوق الإعلام بفضل الأدوات التحليلية المتاحة بأسعار مناسبة.في النهاية، الإعلام في زمن التحليل التنبؤي يعيش معادلة دقيقة بين الابتكار والمسؤولية، فالقدرة على قراءة سلوك القارئ وتقديم محتوى مخصص تفتح آفاقًا هائلة لتطوير تجربة الإعلام، لكنها في الوقت ذاته تفرض التزامًا أخلاقيًا صارمًا لضمان ألا يتحول الإعلام إلى أداة للتلاعب أو المراقبة، لذا أمام الإعلاميين وصناع القرار اليوم فرصة لصياغة مستقبل يحترم خصوصية الإنسان ويستثمر التقنية من أجل بناء مجتمع أكثر وعيًا واتصالًا. انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.