نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مسلسل «معاوية».. بين الإبهار الفني والتأثير النفسي, اليوم الاثنين 24 مارس 2025 11:01 مساءً
نشر بوساطة محمد الحمزة في الرياض يوم 24 - 03 - 2025
مسلسل «معاوية» حدث فني بارز جمع بين الإبهار البصري والجدل التاريخي، وأثبت أن الدراما العربية قادرة على منافسة الإنتاجات العالمية، شرط أن توازن بين الإبداع الفني والالتزام بالسياق التاريخي، وتتجنب الوقوع في فخاخ التبسيط أو التحيز..
تلعب الدراما التاريخية دورا محوريا في إعادة تشكيل الذاكرة الجماعية، فهي ليست مجرد سرد للأحداث، بل وسيلة لفهم تعقيدات الماضي وربطها بتحديات الحاضر. ومن هذا المنطلق؛ يأتي مسلسل «معاوية» الذي أنتجته MBC كواحد من الأعمال الطموحة التي تسائل التاريخ الإسلامي عبر فن درامي ضخم، مثيرا نقاشات فنية وأيديولوجية لا تقل إثارة عن أحداثه.
يغطي المسلسل فترة زمنية مفصلية في التاريخ الإسلامي، تبدأ بمقتل الخليفة عثمان بن عفان، مرورا بخلافة الإمام علي بن أبي طالب، وصولا إلى الصراع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، الذي توج بتنازل الحسن بن علي عن الخلافة، ممهّدا لنشوء الدولة الأموية. ويقدّم العمل رؤية درامية تركز على الجوانب السياسية والإنسانية لمعاوية.
يتميز المسلسل بإنتاج ضخم، حيث استخدمت تقنيات حديثة في التصوير والجرافيك لخلق مشاهد معارك واقعية، التي جسدت بتفاصيل دقيقة للحشود والأسلحة. كما اختيرت مواقع التصوير في الأردن وتونس بعناية، لمحاكاة جغرافية الجزيرة العربية وبلاد الشام في القرن السابع الميلادي، مع ديكورات تعكس فخامة القصور الأموية وقسوة الصحاري. ساهمت المؤثرات الصوتية في خلق أجواء ملحمية، عبر موسيقى تصويرية تدمج بين الآلات الشرقية التقليدية (مثل العود والناي) وإيقاعات حديثة، مما عزز التوتر الدرامي في المشاهد السياسية والقتالية. كما استخدم الصوت ببراعة في تعزيز حدة الحوار، مثل همسات المؤامرات أو هدير الجماهير.
وبرز أداء الممثلين في تجسيد الشخصيات التاريخية بتعقيداتها، فجاءت شخصية معاوية مفعمة بالقوة السياسية والحنكة، بينما عكست شخصيات الخصوم عمق الصراع الداخلي بين المثالية والواقعية. ويمكن أن يقارن المسلسل بأعمال عالمية مثل «روما» (Rome) و»صراع العروش» (Game of Thrones) في استخدامه للحبكات السياسية المعقدة والمشاهد الحربية الضخمة، لكنه يختلف بتركيزه على القيم الاجتماعية والدينية، دون اللجوء إلى العنف المفرط.
تميز المسلسل بجودة الإنتاج العالية، ومحاولته تقديم التاريخ بقالب عصري، في خطوة لاستعادة هيبة الدراما التاريخية العربية من هيمنة الإنتاجات الأخرى، التي سيطرت على الشاشات العربية في العقد الماضي. ونأمل أن يشجع «معاوية» صناع الدراما على الاستثمار في البحث التاريخي الأكاديمي، وتجنب توظيف التاريخ لأغراض أيديولوجية. كما أن تبني تقنيات مثل الواقع الافتراضي قد يعيد تقديم التاريخ بطريقة تفاعلية، جاذبة للجيل الجديد الذي يفضل المحتوى البصري الديناميكي.
الدراما التاريخية تسلط الضوء على حقيقة مشكلة الصدق التاريخي في الأعمال الفنية، فهي توازن بين الوثائقية والعرض السينمائي. ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، فهناك سنن تحكم مسيرته عبر القرون، مما يجعلها أداة لفهم هذه الثوابت. والفن يلعب دورا في تشكيل وعي الإنسان عبر نقل المعرفة والإيحاءات الجمالية السمعية والبصرية. ومستقبل الدراما التاريخية يعتمد على تحسين جودة المحتوى وتلبية توقعات الجمهور عبر تقنيات حديثة.
الأثر النفسي والاجتماعي لمشاهدة المسلسلات التاريخية يمكن تحليله من خلال الاستثارة العاطفية، التي تحفز مشاعر المشاهدين عبر إثارة عواطف مثل الحماسة، الخوف، التعاطف، أو الغضب، خاصة في مشاهد الصراعات السياسية أو المعارك، حيث تُظهر الصراعات بين الخير والشر، وتعزز قيم العدالة والشجاعة، وتُثير انفعالات المشاهدين (كالتعاطف أو الغضب) عبر القصص الإنسانية، مما يُعمق التفكير في ديناميكيات السلطة والمجتمع، وتخلق حالات انفعالية مطلوبة يحققها الجانب الترفيهي، كالإثارة والتشويق والترقب. وقد يصاب المشاهد بما يسمى «التقمص العاطفي» (Emotional Identification)، حيث يتوحد أو يتعاطف مع شخصية تاريخية مما يعزز انتماءاته لها.
تُسهم الدراما التاريخية في إحياء التراث وربط المشاهدين بتاريخهم مما يُعزز الانتماء للجذور، كما تُسلط الضوء على الشخصيات التاريخية لاستلهام قيم البطولة والتضحية. وتُعرف الجمهور بأحداث تاريخية مهمة، وتُقدم دروسا حول التحديات الماضية وكيفية التغلب عليها، مثل الحروب والصراعات السياسية، وتُحول الأحداث المعقدة إلى قصص مشوقة، مما يجعل التاريخ مفهوما للنشء، خاصة عبر المؤثرات البصرية والصوتية الحديثة. وتُستخدم لتعزيز قضايا وطنية أو اجتماعية، كما في الأعمال التي تُظهر وحدة الشعوب أمام التحديات.
يبقى مسلسل «معاوية» حدثا فنيا بارزا، يجمع بين الإبهار البصري والجدل التاريخي، وهو يثبت أن الدراما العربية قادرة على منافسة الإنتاجات العالمية، شرط أن توازن بين الإبداع الفني والالتزام بالسياق التاريخي، وتتجنب الوقوع في فخاخ التبسيط أو التحيز. وإذا ما استثمرت هذه الخبرات في أعمال قادمة، فقد تصبح الدراما التاريخية العربية جسرا حقيقيا بين الماضي والحاضر، لا مجرد أداة للترفيه.. فكما يقولون: «الأفلام ليست مجرد ترفيه، بل هي أدوات تشكل وعي الفرد ومشاعره عبر استثارة انفعالاته، مما يجعلها قادرة على تغيير المواقف أو ترسيخها».
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق