ينابيع النفس

سعورس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ينابيع النفس, اليوم الجمعة 21 مارس 2025 12:17 صباحاً

ينابيع النفس

نشر بوساطة خالد الوحيمد في الرياض يوم 20 - 03 - 2025

2124044
وجملة الحياة حين تخاطب الأشياء على واقعها وتحاكيها كما تحاكي النفس خلواتها، ولأن النفس شيء من هذا الملكوت، لا ينبغي إهمال ما تصّبُ إليه من حدسٍ وتفكير، تراها الحكمة من منطلقٍ جوهري صالح، فمحاكاة النفس في خلوتها تظهر أعراضها ولا أقول صورة؛ وإنما أثرٌ له وقعته في الحياة حينها نشعر كأن الطبيعة تستجيب لنداء النفس لا نداء العقل.
(قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ قُل لِّلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) هذا هو البيان الذي يتمخض في إنباء النفس أن تكون حاضرة وفاعلة شأنها شأن العقل؛ في الحفاظ على ذاتها من أي شائبةٍ تصيبها أو تخرجها من منظار الحياة.
وكذلك من منطلق النفوس أيضًا أن تُبين صفاءها الذاتي في صدقها المعنوي من لحظتها الأثيرية الهادئة الساكنة لا من عاصفتها الهوجاء (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
ولعل يذهب بنا هذا الموضوع إلى مذهب "كروتشه" الذي يصور أن الواقع هو الروح، وأن العلم لديه هو علم روحاني أي علم له وجود واقع، والعلوم الطبيعية لديه هي علوم ناقصة. نفهم من رأيه أنها منطلقة من الروح والحدوس، والحدوس بدورها نابعةً من النفس وأحاسيسها النورانية الناطقة الصامتة؛ لها جملتها الواحدة ككلمةٍ واحدة.
وهنا يأخذنا الشنآن أن جميع النظريات المادية في الحياة مُتغيرة بالضرورة خاصة عندما تتقادم في زمنها الوجودي فهي خاضعة للتغير الكوني، وإن أجزمنا على رؤيتها فقط؛ فربما خداع بصري من حواسنا الخارجية. ومن هنا نفك الارتباط بين النظرية العلمية والنظرية الروحية المتأملة الواقعة في وجدان النفس؛ والمكتملة في وجداني العقل والروح معًا. فالروح والعقل سيان في ميدان إعمال الحكمة من محاكاة الواقع الساكن في ينابيع الموجودات المتأملة بوجوب الواجب.
والتأمل هذا هو الحركة الفاعلة الحقيقية، كتأملنا لنجمةٍ متجلية في أفق المدار نحسبها ساكنة ولكنها تتوارى بين لحظةٍ ولحظة وبين وجودٍ ووجود، لأن أصل السكون التأمل والتأمل حكمة تجعل من الموجودات كلمة ناطقة مستجيبة في فعلها وهدوئها، أي كأن الأشياء في دائرة من الصمت والصوت. وما الاستنارة إلا خروجًا من الظلام، كصوتِ صارخٍ في صحراءٍ مقفرة موحشة، أو كمقولة "المعري" (نوحُ باكٍ ولا ترنمُ شادِ).
فحقيقة المعرفة هي المعرفة بذاتها، فلا تنبأنا ولادة الأشياء إلا بظاهرة ظهورها الكامل؛ حينها نشعر بكيانها، كما يشعرنا الطفل بصرخته لحظة خروجه من أحشاء والدته؛ أنه كائن موجود حيّ.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق