نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
شكرًا ولي العهد.., اليوم الخميس 20 مارس 2025 10:09 مساءً
نشر بوساطة ملحة عبد الله في الرياض يوم 20 - 03 - 2025
صدور قرار سمو ولي العهد -حفظه الله- بإطلاق «خريطة العمارة السعودية» التي تشمل 19 طرازًا معماريًا مستوحاة من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة.. يدل على مدى متابعته واتساع رؤيته وإدراك مدى أهمية التراث والهوية وخصوصية المكان والإنسان في متلازمة مستدامة تحمل إرثًا ومعنى، من خلال رؤية 2030 التي تسعى إلى ذات الهدف وتحقيقه..
إن التراث المادي هو ميراث الشعوب، وهو كل ما تتكون منه الشخصية والمتمثل في تعاملها مع البيئة، التي تحيط بشعب أو فريق من الناس. ومن هنا تتلازم حتمية تلامس المكان والإنسان وتدجين واستئناس المتوحش منها كلٌ في علاقته بالآخر، فإذا ما أردنا معرفة شعب ما، فعلينا أن نتدارس ونحلل بالملاحظة الدقيقة كل ثقافته المادية وطرزه المعمارية عبر العصور المتلاحقة عليه. هنا تكمن أهمية الحفاظ على سمات هذه الطرز لأنها هي إنسان تلك الحقبة بتكوينه وبتفاعله، ولذا كان خادم الحرمين الشريفين حفظه الله هو رائد أنسنة المدن.
فلم تكن أنسنة المدن بدافع رفاهية الإنسان وتحسين عيشه فحسب، وإنما للحفاظ على أثره الإنساني المستمد من عراقة وعمق تاريخه، ذلك لأنه في الآونة الأخيرة من تحرير الهندسة المعمارية المعاصرة، وخاصة في الثلاثين سنة الماضية، أصبحت هناك قطيعة معرفية بين المكونين الثقافي والاجتماعي.
فماذا إذا ما تعانق تراثنا المعماري بكل وسائل التحديث في الطرز المعمارية في مدننا بالمملكة؟ ذلك لأن تناول التفاصيل الدقيقة في ثنايا الطرز بما تحمله من معانٍ وبكل التفصيلات الدقيقة فيها، وفي كل منطقة من مناطق المملكة ما هو إلا تجسيد للهوية في تفاصيل تلك الخطوط واستخراج ملامح هويتنا منها.
ومما زاد من سعادتنا هو صدور قرار سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ومدى متابعته واتساع رؤيته وإدراك مدى أهمية التراث والهوية وخصوصية المكان والإنسان في متلازمة مستدامة تحمل إرثاً ومعنى، من خلال رؤية 2030 التي تسعى إلى ذات الهدف وتحقيقه، هو إطلاق سموه "خريطة العمارة" السعودية التي تشمل 19 طرازاً معمارياً مستوحاة من الخصائص الجغرافية والثقافية للمملكة، بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030.
وبذلك يتحقق الأمل المنشود في تفعيل هذا القرار السامي الذي يعيد لنا إرثنا في ثقافتنا المادية ومنها الطرز المعمارية، التي كنا نتوجس خيفة عليها من سطوة تلك الطرز المنتشرة التي كانت تتسم بملامح مدرسة الحداثة وما بعد الحداثة وآخرهما ملامح المنهج التفكيكي في العمارة، وهذا كان جد خطير على ملامح الهوية العربية السعودية.
إن هذا القرار المهم في تاريخ الثقافة المادية بالمملكة، سوف يرسخ لنا ملامح الشخصية العربية السعودية، وذلك يعني أن تحمل المدينة ملامح إنسانها ويحملها هو في ثقافته وتكوينه. فحين كتب رالف لينتون في كتابه شجرة الحضارة عن الجنوب الغربي لقارة آسيا -والمملكة بموقعها الحالي جزء من الموقع المذكور- كان وصفه، في معرضه عن الأبنية والطرز المعمارية فترة ما قبل الميلاد بأنه "يستطيع عمال الحفائر الأثرية أن يوضحوا الغرض الذي استُخدمت فيه الأدوات المختلفة التي عثروا عليها في حفائر هذه المنطقة خيراً مما يستطيعه معظم علماء الآثار". وهذا القول يؤطر لنا مدى أهمية قرار سموه حفظه الله في هذا الشأن.
فالطرز المعمارية في شتى العصور، هي ما تحتفظ في تفاصيلها وفي كل ثناياها بخصائص الهوية والشخصية، التي سوف تكون عونا للباحثين في العصور اللاحقة والتي نريد الاحتفاظ بها وبهويتنا في تفاصيلها.
فالثقافة المادية ومنها الطرز المعمارية، هي ما يتبقى عبر العصور للدراسة وتحليل الإنسان نفسه وتكوينه وعلاقته بالمكان وهذا أمر بدهي للحفاظ على الآثار في العالم أجمع.. ولكي نتناول الثقافة المادية بالتحليل والتفسير، وهي في مجملها أنسنة (المكان والإنسان) فسوف نبحر في صفحات لن يتسع لها هذا المقال!
وقد يتساءل سائل: لماذا تنوع الطرز في تسع عشرة منطقة في هذا القرار؟ ذلك لأن المملكة برقعتها الواسعة -التي تعد أكبر الدول العربية مساحة- تتنوع فيها الطرز المعمارية بحسب تنوع البيئة والمناخ لكل منطقة. وإذا ولجنا إلى تحليل خطوط الطرز المعمارية، فسنجد ملامح شخصية كل منطقة تبعا لخطوط طرزها المعمارية؛ وهذا أهم ما في الأمر.
إن الباحثين والمنقبين وعلماء الآركلوجي والإنثروبولوجي حين يقومون بتحليل الخطوط الطرازية في التكوينات الهندسية -لن يخفى عليهم سطوة المكان– على طرازه المعماري؛ وبالتالي على بنية الشخصية نفسها كهوية مائزة ناتجة عن أنسنة الأمكنة!
وعلى سبيل المثال؛ نجد أن الطرز المعمارية في نجد نجدها ذات خطوط مستطيلة، وذلك يرجع إلى سعة امتداد الرؤية واتساع الأفق، وبالتالي نجد أن الشخصية النجدية تتسم بسعة الأفق، والإيقاع الهادئ في اتخاذ القرار وفي ردود الأفعال أيضا كما يعود ذلك إلى الرقصات النجدية (العرضة) على سبيل المثال، حيث الخطوط المستطيلة والإيقاع الهادئ الرصين، وذلك على خلاف التكوينات المعمارية في بلاد عسير حيث نجد الأبنية مربعة، وتعدد طوابقها العالية نتيجة إحاطة الجبال العالية بها وتطلع الشخصية إلى الارتقاء إلي هامات الجبال المعانقة للسحاب، كما نلحظ إيقاع الشخصية فيها متسارعا لاهثا، وهو ما يظهر لنا في رقصة العرضة العسيرية أو رقصة الشامية في جازان وبلاد قحطان، وهذا ما يختلف عن الأبنية في بلاد تهامة حيث نلاحظها دائرية لاصطدام الرؤية بالجبال العالية فكانت رقصاتهم أيضا دائرية ذات الإيقاع المتسارع الناتج عن إيقاع الشخصية نفسها، والذي تتميز به الشخصية التهامية في بنيتها نفسها!
ولهذا ما كانت الدراسات والبعثات التنقيبية فيما بين العصور والأزمنة سوى دراسات مستفيضة عن مدى أهمية الثقافة المادية وتحولاتها. ولذا سوف يكون هذا القرار ذا صِبغة تاريخية في مدارات الثقافة المادية والطرز المعمارية في المملكة.
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق