نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قراءة في «تغريبة القافر» لزهران القاسمي, اليوم الجمعة 14 مارس 2025 02:51 صباحاً
نشر بوساطة إشراق الروقي في الرياض يوم 14 - 03 - 2025
«تداعت الصخرة أمامه، وانفتح الخاتم على النفق الطويل، فانطلق الماء بقوة وجرف معه كل شيء».
مع نهاية هذه الجملة كان كل شيء قد انتهى حيثُ بدأ، مُنذ تفاصيل ولادته التي لا تُشبه تفاصيل أيّ ولادة بشرية حدثت.. ولادة مدويّة مُجلجلة خلدها المكان والتاريخ والشهود اللذين شهدوا تفاصيلها وأخذت ألسنتهم تلوك الحادثة التي ولد بها سالم بن عبدالله. يتناقلونها فيما بينهم، يُضيفون عليها بعضًا من عُقدهم، يؤطرونها بالأساطير التي كبروا وهم يسمعونها، الرعب الذي دب في نفوسهم وهم صغار حتى كبروا ولا يزالون غير قادرين على مواجهته واقتلاعه من جذوره.
وبذلك أصبح سالم مادة دسمة لهم، في كل مرحلة من مراحل عمره يجدون فيه ما يُشغلهم عن أنفسهم، وينغمسون في تفاصيله أكثر منه.
وما كان للخالة «كاذية بنت غانم» التي احتوت والدته المتوفاة من قبله، والتي شقت بطن والدته لتُنقذه ويخرج سالمًا للحياة الدُنيا سوي أن تستمر في رحلتها في الحياة وهي تحميه وتُداريه كما لو أنه هذا هو قدرها والسبب الذي أوجدها الله لأجله.
ولما اشتد عوده ولاحظ أن وجوده وسط أي تجمع وصولا إلى مروره بين بيوت أهالي قريته نحو الحاجة التي يقصدها يبُث الرعب في نفوس من هم حوله، انصرف عنهم وغاص في عالمه، عالم الماء.
مُنذ القطرة الأولى، قطرة المطر التي تسللت خفية من سقف منزل كاذية حتى سقطت في أُذنه اليسرى وهو رضيعًا إلى اللحظة التي أصبحت فيها هذه الأذن مصدرًا أساسيًا يتغذى عليه للغوص في وحدته، وأداه يُستدل بها للبحث عن الماء في باطن الأرض.
أصبح رجلًا لا يكترث لا بالمديح ولا بالذم، لا يهمه سوى صوت الماء الذي يُناديه من أعماق الأرض.
وبالرغم من هذا كله، لم يتركوه وشأنه، اتهموه - كما اتهموا والدته من قبله - بأنه جن الأرض تُخاطبه كما كانت في اعتقادهم أنها تُخاطب أمه من قبل. وأن الجن هم سبب وفاتها غريقة، ورحيلها عن القرية إلى حيثُ يكون عالمهم.
ذات يوم، شاء الله أن يُبدل الحال إلى آخر.. فأصاب أهل القرية القحط، وجدبت الأرض وضاق الحال على ساكنيها.. فما كان لهم سوى أن يستعينوا بسالم الذي ما كان له من الأمر شيء سوى أن يستجيب لهم رغم قطيعتهم له، وبغضهم الذي أضرموه في أنفسهم لكن لا يُمكن لملامحهم أن تُخفيه.
صاخ بسمعه على الأرض مُستعينًا بأذنه اليُسرى، وتقفى أثر صوت الماء في جوف الأرض حتى عرف مكانه الذي حُفر بمساعدة سالم حتى انتشوا بتسلل الماء من حولهم.
أصبح الناس يأتون إلى سالم من كل مكان حتى يدلهم على الماء الحبيس في أعماق قُراهم، لكنه لم يعلم بأنه سيكون في- يومًا ما - حبيس الأرض، يحوطه الماء الذي كان يستطيع سماعه وحده دون الأخرين ويعيش تغريبته الخاصة.
رواية «تغريبة القافر» للكاتب والشاعر العُماني زهران القاسمي رواية تأخذك حيثُ يكون الماء في أعماقك، والقحط والجدب أيضًا. الحُب والفراق، الفرح والألم، اليقين والأسى، العزلة والوحدة والكلام الحبيس - مثل الماء في أعماق الأرض - دون الحيلولة على خروجه.
إشراق الروقي
انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
0 تعليق